لكونها حادثة على ما سيأتي ، ولقوله تعالى (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) وهلاك البسيط لا يتصور إلا بفنائه ، ولا يخفي أن الحدوث إنما يقتضي إمكان العدم بالذات ، وهو لا ينافي امتناعه بالغير وهو المتنازع. فإن استروح الى أن الحكم هو الإمكان حتى يثبت ما به الامتناع كان ذكر الحدوث مستدركا].
أي من أحكام (١) الأجسام أنها باقية زمانين وأكثر بحكم الضرورة بمعنى أنا نعلم بالضرورة أن كتبنا وثيابنا وبيوتنا ودوابنا (٢) هي بعينها التي كانت من غير تبدل في الذوات ، بل إن كان ففي (٣) العوارض والهيئات ، لا بمعنى أن الحس يشاهدها باقية ليرد الاعتراض بأنه يجوز أن يكون ذلك بتجدد الأمثال كما في الأعراض ، وقد يفهم من البقاء الدوام وامتناع الفناء ، وعليه يحمل ما قال في التجريد أن الضرورة قاضية ببقاء الأجسام ، وبيّن بأن غاية أمرها التفرق والانقسام ، وهو لا يوجب الانعدام. وأنت خبير بأن دعوى الضرورة في ذلك في غاية الفساد. كيف وقد صرح بجوازه في بحث المعاد ، واستدل على جواز العدم تارة بالحدوث ، فإن العدم السابق كالعدم اللاحق لعدم التمايز ، وقد جاز الأول فكذا الثاني ، وتارة بالإمكان ، فإن معناه جواز كل من الوجود والعدم نظرا إلى الذات. وأجيب بأن هذا لا ينافي الامتناع بالغير على ما هو المتنازع ، فإنه يجوز أن يكون الشيء في ذاته قابلا للعدم السابق واللاحق جميعا ، ويمتنع أحدهما أو كلاهما لعلة ، والحاصل أن الحدوث لا ينافي الأبدية كما في النفس الناطقة على رأي أرسطو ، والإمكان لا ينافي الأبدية والأزلية كما في القدماء لزمانية دون الذاتية على رأي الفلاسفة (ويمكن) (٤) أن يقال : إنه لما كان الحكم بجواز العدم نفي ذلك الحكم حتى يقوم دليل الامتناع. لا يقال على هذا لا حاجة إلى اعتبار الحدوث لأن الجسم ممكن جائز الوجود والعدم قديما كان أو حديثا لأنا نقول هو مراعاة لطرق المتكلمين حيث
__________________
(١) سقط من (أ) لفظ (أحكام)
(٢) في (ب) وذواتنا بدلا من (ودوابنا)
(٣) في (ب) نفي ، بدلا من (ففي)
(٤) ما بين القوسين سقط من (أ)