المبحث الثالث
في
أنه تعالى عالم
(قال : المبحث الثالث في أنه عالم.
أما عندنا فإنه صانع للعالم على انتظامه ، وأحكامه ، ولأنه قادر مختار لما مرّ. وما يشاهد من بعض الحيوانات ، لو صح أنه فعلها لدل على عملها ، وأما التمسك بالسمعيات فدور).
اتفق عليه جمهور العقلاء ، والمشهور من استدلال المتكلمين وجهان :
الأول : أنه فاعل فعلا محكما متقنا ، وكل من كان ذلك فهو عالم ، أما الكبرى فبالضرورة ونبه عليه ، أن من رأى خطوطا مليحة ، أو سمع ألفاظا فصيحة ، تنبئ عن معادن دقيقة ، وأغراض صحيحة علم قطعا أن فاعلها عالم ، وأما الصغرى فلما ثبت من أنه خالق للأفلاك (١) والعناصر بما فيها من الأعراض والجواهر ، وأنواع المعادن والنبات ، وأصناف الحيوانات على اتساق ، وانتظام ، واتقان ، وإحكام تحار فيها العقول والأفهام ، ولا تعفى بتفاصيلها الدفاتر والأقلام على ما يشهد بذلك علم الهيئة (٢) ، وعلم التشريح ، وعلم الآثار العلوية ، والسفلية ، وعلم الحيوان والنبات ، مع أن الإنسان لم يؤت من العلم إلا قليلا ، ولم يجد إلى الكنه سبيلا.
فكيف إذا رقي إلى عالم الروحانيات من الأرضيات والسماويات ، وإلى ما يقول
__________________
(١) ـ الفلك السفينة ويستعمل ذلك للواحد والجمع ، وتقديراهما مختلفان فإن الفلك إن كان واحدا كان كبناء قفل ، فإن كان جمعا فكبناء حمر.
قال : «حتى إذا كنتم في الفلك» والفلك مجرى الكواكب ، وتسميته بذلك لكونه كالفلك قال : (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) وفلكة المغزل ومنه اشتق فلك ثدي المرأة ، وفلكت الحدى إذا جعلت في لسانه مثل فلكته يمنعه عن الرضاع.
راجع معجم مفردات الفاظ القرآن ص ٤٠٠.
(٢) ـ في (ب) البيئة بدلا من (الهيئة).