القائلون بحدوث الإرادة
والرد عليهم
(قال :
وحدوثها مع قيامها بذاته على ما هو رأي الكرامية يوجب التسلسل وكونه محل الحوادث. ومع قيامها بنفسها على ما هو رأي الجبائية ضروري البطلان.
وقول الحكماء إنه العلم بالنظام الأكمل نفي لما نسميه الإرادة.
وكذا قول النجار أنه كونه غير مكره ، ولا ساه ، وقول الكعبيّ : إنه في فعله العلم وفي فعل غيره الأمر ، وذهب كثير من المعتزلة إلى أنها الداعية فقيل في الغائب خاصة ، وقيل فيهما جميعا ، ومعنى الداعية في الشاهد العلم والاعتقاد أو الظن بنفع زاد في الفعل ، وفي الغائب العلم بذلك ، واحتجوا بأن الإرادة فعل المريد قطعا ، والفاعل يجب أن يكون له شعور ، لفعله ، ولا شعور لنا إلا بالداعي الخالص أو المرجح على الصادق. ورد بأن لا نسلم أنه اختياري ، وأنه لا شعور بغير الداعي بل الشعور بحالة بعقبه ، وعرض بأن العطشان والهارب يميل إلى أحد الماءين أو الطريقين عند التساوي).
قوله : وحدوثها يشير إلى نفي مذاهب المبطلين ، فمنها قول الكرامية إن إرادة الله تعالى حادثة قائمة بذاته وهو فاسد لما مرّ من استحالة قيام الحوادث بذات الله تعالى ، ولأنه صدور الحادث عن الواجب لا يكون إلا بالاختيار ، فيتوقف على الإرادة ، ويلزم الدور أو التسلسل.
فإن قيل : استناد الصفات إلى الذات إنما هو بطريق الإيجاب دون الاختيار فلم لا يجوز أن يكون البعض منها موقوفا على شرط حادث فيكون حادثا.
قلنا : لما يلزم من تعاقب حوادث لا بداية لها ، وقد بينا استحالته ، ولأن تلك الشروط ، إما صفات للباري ، فيلزم حدوثه ، لأن ما لا يخلو عن الحادث حادث ،