الأول : لو لم يكن في الموجودات واجب لكانت بأسرها ممكنة ، فيلزم وجود الممكنات لذواتها ، وهو محال ، وفيه نظر لأن وجود الممكن من ذاته. أنه يلزم لو لم يكن كل ممكن مستند الى ممكن آخر إلى (١) ما لا نهاية وهو معنى التسلسل ، وإن أريد مجموع الممكنات من حيث هي فلا بد من بيان أن علتها ليس نفسها (٢) ولا جزء عنها بل خارجا عنها وذلك أحد أدلة إبطال التسلسل ، وبهذا يظهر أن الوجه الثاني مشتمل على إبطال التسلسل وتقريره أن مجموع الممكنات أعني المأخوذ بحيث لا يخرج عنه واحد منها ممكن بطريق الأولى ، وكل ممكن فله بالضرورة فاعل مستقل أي مستجمع لجميع شرائط التأثير ، وفاعل مجموع الممكنات ، لا يجوز أن يكون نفسها ، وهو ظاهر ولا كل جزء منه ، وإلا لزم توارد العلل المستقلة على معلول واحد ، مع لزوم كون الشيء علة (٣) لنفسه ولعلله ، لأن المستقل بعلة المركب يجب أن يكون علة لكل جزء منه ، إذ لو وقع شيء من الأجزاء بعلة أخرى بطل الاستقلال ، ولا بعض الأجزاء منه.
أما أولا : فلأنه يلزم أن يكون علة لنفسه ، ولعلله على ما مر.
وأما ثانيا : فلأنه معلول لجزء آخر لأن التقدير أن كل جزء فرض فهو ممكن يستند إلى ممكن آخر ، فلا يكون مستقلا بالفاعلية (٤).
وأما ثالثا : فلأن كل جزء فرض كونه مستقلا بفاعلية ذلك الجموع فعلته أولى بذلك لكونه أقدم وأكثر تأثيرا ، وأقل احتياجا ، فلا يتعين شيء من الأجزاء لذلك ، فتعين كون المستقل بفاعلية جميع (٥) الممكنات خارجا عنها والخارج عن مجموع (٦) الممكنات يكون واجبا بالضرورة ، وأنت خبير بأن هذا أول الأدلة المذكورة لبطلان
__________________
(١) في (ب) لا الى نهاية.
(٢) سقط من (ب) من أول : وان أريد الى (ابطال التسلسل).
(٣) سقط من (ج) لفظ (علة).
(٤) في (ب) كونه بدلا من أن يكون).
(٥) الفاعلية : هي النشاط ، أو الممارسة ، أو استخدام الطاقة ، تقول فاعلية الفكر : أي نشاطه.
راجع المعجم الفلسفي لمجمع اللغة العربية.
(٦) في (ب) مجموع بدلا من جميع.