المبحث الأول
في رؤيته تعالى في الآخرة
ذهب أهل السنة إلى أن الله تعالى يجوز أن يرى وأن المؤمنين في الجنة يرونه منزها عن المقابلة والجهة والمكان ، وخالفهم في ذلك جميع الفرق ، فإن المشبهة والكرامية ، إنما يقولون: برؤيته في الجهة والمكان لكونه عندهم جسما تعالى عن ذلك ، ولا نزاع للمخالفين في جواز الانكشاف التام العلمي ولا لنا في امتناع ارتسام صورة من المرئي في العين ، أو اتصال الشعاع الخارج من العين بالمرئي ، أو حالة إدراكية مستلزمة لذلك. وإنما محل (١) النزاع أنا إذا عرفنا الشمس مثلا بحد أو رسم كان نوعا من المعرفة ، ثم إذا أبصرناها وغمضنا العين كان نوعا آخر فوق الأول ، ثم أنا (٢) إذا فتحنا العين حصل نوع آخر من الإدراك فوق الأولين نسميها الرؤية ولا تتعلق في الدنيا إلا بما هو في جهة ومكان فمثل هذه الحالة الإدراكية هل تصح أن تقع بدون المقابلة والجهة؟ وأن تتعلق بذات الله تعالى منزها عن الجهة والمكان؟ ولم يقتصر الأصحاب على أدلة الوقوع مع أنها تفيد الإمكان أيضا لأنها سمعيات ربما يدفعها الخصم بمنع امكان المطلوب ، فاحتاجوا إلى إثبات (٣) الإمكان أولا والوقوع ثانيا. ولم يكتفوا بما يقال : الأصل في الشيء سيما فيما ورد به الشرع هو الإمكان ما لم يزد عنه (٤) الضرورة أو البرهان. فمن ادعى الامتناع فعليه البيان لأن هذا إنما يحسن في مقام النظر والاستدلال دون المناظرة والاحتجاج.
فإن قيل : المعول عليه من أدلة الإمكان أيضا سمعي ، لأن إحدى مقدمتيه وهو
__________________
(١) سقط من (ب) لفظ (محل).
(٢) في (ب) بزيادة لفظ (أنا).
(٣) في (ب) بيان بدلا من (إثبات).
(٤) في (ب) لم يرد بدلا من (يزد).