لكن الاتصاف : أنه لا يفيد القطع ، ولا ينفي الاحتمال.
ومنه قوله تعالى (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (١) حقر شأن الكفار وخصهم بكونهم محجوبين. فكأن المؤمنين غير محجوبين وهو معنى الرؤية والحمل على كونهم محجوبين عن ثوابه وكرامته خلاف الظاهر ومنه قوله تعالى (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) (٢) فسر جمهور أئمة أهل التفسير (٣) الحسنى بالجنة ، والزيادة بالرؤية على ما ورد في الخبر كما سيجيء (٤). وهو لا ينافي ما ذكره البعض من أن الحسنى هي الجزاء المستحق ، والزيادة هي الفضل.
فإن قيل : الرؤية أصل الكرامات وأعظمها فكيف يعبر عنها بالزيادة ...؟
قلنا : للتنبيه على أنها أجل من أن تعد في الحسنات وفي أجزئة الأعمال الصالحات. والنص من السنة قوله عليه الصلاة والسلام «إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته» (٥) ومنها ما روي عن صهيب أنه قال : قرأ رسول اللهصلىاللهعليهوسلم هذه الآية (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) (٦) قال «إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار نادى مناديا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يشتهي أن ينجزكموه. قالوا : ما هذا الموعد ..؟ ألم يثقل موازيننا ، وينضر وجوهنا ، ويدخلنا الجنة ، ويخرجنا من النار. قال فيرفع الحجاب ، فينظرون إلى وجه الله عزوجل فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر» (٧) ومنها قوله عليه الصلاة والسلام «إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسروره مسيرة ألف سنة وأكرمهم على الله تعالى من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية» (٨) ثم قرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (٩).
وقد صحح هذه الأحاديث من توثق به من أئمة الحديث إلا أنها أخبار (١٠) آحاد
__________________
(١) سورة المطففين آية رقم ١٥.
(٢) سورة يونس آية رقم ٢٦.
(٣) في (ب) بزيادة لفظ (أهل).
(٤) في (ب) على ما بدلا من (كما سيجيء).
(٥) سبق تخريج هذا الحديث.
(٦) سورة يونس آية رقم ٢٦.
(٧) الحديث رواه أحمد بن حنبل في مسنده : ٢ : ٤٢٢ ، ٣ : ٩.
(٨) الحديث رواه أحمد بن حنبل في مسنده ٢ : ١٢.
(٩) سورة القيامة آية رقم ٢٢ ، ٢٣.
(١٠) في (أ) بزيادة لفظ (أخبار).