٤ ـ الشبهة الرابعة
(قال :
قوله تعالى : لا تدركه الأبصار. فإن إدراك البصر هو الرؤية أو لازمها وقد نفى على سبيل العموم لأن اللائق بالمقام والشائع في الاستعمال في مثل عموم السلب بإسناد النفي إلى الكل لا سلب العموم بنفي الإسناد إلى الكل ثم يبقى الكلام للتمدح بذلك فيكون نفيه نقيصة فيمتنع قلنا لو سلم العموم في الأشخاص والأوقات فإدراك البصر رؤية على وجه إحاطة بجوانب المرئي أو انطباع الشبح في العين لما في اللفظ من معنى النيل والوصول آخذا من أدركت فلانا إذا لحقته (١) فلا يلزم من نفيه نفي الرؤية ولا كونها نقصا لتمتنع).
ـ قوله ـ
الرابع : هذه هي الشبهة السمعية وأقواها قوله تعالى (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) (٢) والتمسك به من وجهين :
أحدهما : أن إدراك البصر عبارة شائعة في الإدراك بالبصر إسنادا إلى الآلة ، والإدراك بالبصر هو الرؤية بمعنى اتحاد المفهومين أو تلازمهما بشهادة النقل عن أئمة اللغة ، والتتبع لموارد الاستعمال ، والقطع بامتناع إثبات أحدهما ونفي الآخر مثل : أدركت القمر ببصري وما رأيته ، والجمع المعرف باللام عند عدم قرينة العهد والبعضية للعموم والاستغراق بإجماع أهل العربية والأصول ، وأئمة التفسير وبشهادة
__________________
(١) في (ج) إذا (تحققه).
(٢) سورة الأنعام آية رقم ١٠٣ ويقول الفخر الرازي : المراد بالإبصار في هذا ليس هو نفس الأبصار فإن البصر لا يدرك شيئا البتة في موضع من المواضع بل المدرك هو المبصر فوجب القطع بأن المراد من قوله : لا تدركه الابصار هو أنه لا يدركه المبصرون ، وإذا كان كذلك كان قوله : (وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) المراد منه : هو يدرك المبصرون ومعتزلة البصرة يوافقوننا على أنه تعالى يبصر الأشياء فكان هو تعالى من جملة المبصرين فقوله : وهو يدرك الأبصار : يقتضي كونه تعالى مبصرا لنفسه وإذا كان الأمر كذلك كان تعالى جائز الرؤية في ذاته وكان تعالى يرى نفسه ، وكل من قال : إنه تعالى جائز الرؤية في نفسه قال : إن المؤمنين يرونه يوم القيامة. راجع مفاتيح الغيب ج ٤ ص ١٦٩.