المبحث الثاني
الاستدلال بعالم الأجسام على وجود الصانع
(قال : المبحث الثاني ، الظاهر في نظر الكل هو عالم الأجسام من الفلكيات ، والعنصريات مفرداتها ومركباتها. شاع فيما بينها الاستدلال بذواتها وصفاتها لإمكانها أو حد وقتها على وجود صانع (١) قديم قادر عليم وكثر في كلام الله تعالى الإرشاد إلى ذلك لأنه أنفع للجمهور وأوقع في النفوس لما في دقة الأدلة الحكمية من فتح باب الشبهات ولم يعبأ باحتمال أن يكون ذلك الصانع غير الواجب تعالى. أما شهادة الحدث بأنه لا يكون إلا غنيا مطلقا ، وهو المعنى بالواجب فيكون من الإقناعيات التي قلما يخلو استكثارها عن التأدي إلى اليقين. وإما لانسياق الذهن إلى أنه لو كان مخلوقا فخلقه أولى بهذه الصفات ، فلا يذهب ذلك إلى غير النهاية ، وإما لأن المقصود الرد على من لا يقر بهذا العالم بموجود له الخلق والأمر ، ومنه المبدأ وإليه المنتهى. وقد أشير إلى اعتراف الكل به عند الاضطرار تنبيها على أنه مع ثبوته بالبرهان والإقناع من المشهورات جريا على ما هو اللائق بالمطالب العالية).
المبحث الثاني : قد سبقت الدلالة (٢) على وجود الصانع بالبراهين ، وهاهنا يشير إلى وجوه (٣) إقناعية ، وإلى كونه من المشهورات التي لم يخالف فيها أحد ممن يعتد به بذلا (٤) للمجهود في إثبات ما هو أعظم المطالب العالية (٥). بيان ذلك أنه لا يشك أحد في وجود عالم الأجسام من الأفلاك والكواكب ، والعناصر والمركبات
__________________
(١) قال تعالى : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) سورة الملك آية رقم ٢ ـ ٣.
(٢) في (ب) الأدلة.
(٣) في (أ) وجود وهو تحريف.
(٤) في (ب) بذلك.
(٥) في (ج) الغالية.