ذكر في علم النفس ومبنى الكل على أن افتقار الممكن إلى الموجد ، والحادث إلى المحدث ضروري ، تشهد به الفطرة ، وأن فاعل العجائب والغرائب على الوجه الأوفق الأصلح لا يكون إلا قادرا حكيما. فإن قيل : سلمنا ذلك لكن لم لا يجوز أن يكون ذلك الصانع جوهرا روحانيا من جملة الممكنات دون الواجب تعالى وتقدس.
فالجواب : من وجوه :
الأول : أنه يعلم بالحدس والتخمين أن الصانع لمثل هذا لا يكون إلا غنيا مطلقا يفتقر إليه في كل شيء ، ولا يفتقر هو إلى شيء بل يكون (١) وجوده لذاته ، فيكون الدليل من الإقناعيات ، والاستكثار منها كثيرا مما يقوي الظن بحيث يفضي إلى اليقين.
الثاني : أن ذهن العاقل ينساق إلى أن هذا الصانع إن كان هو الواجب الخالق فذاك ، وإن كان هو مخلوقا (٢) ، فخالقه أولى بأن يكون قادرا حكيما ، ولا يذهب ذلك إلى غير النهاية لظهور بعض أدلة بطلان التسلسل ، فيكون المنتهى إلى الواجب تعالى وتقدس ولهذا صرح (٣) في كثير من المواضع بأن تلك الآيات إنما هي لقوم يعقلون (٤).
الثالث : أن المقصود بالإرشاد إلى هذه الاستدلالات تنبيه من لم يعترف بوجود صانع يكون منه المبدأ وإليه المنتهى وله الأمر والنهي (٥) وكونه ملجأ الكل عند انقطاع
__________________
ـ الميكروسكوبي ، او علم الأنسجة ، ومن العلماء في تاريخ هذا العلم «هيروفليس» من علماء جامعة الإسكندرية على عهد البطالمة في أواخر القرن ٤ ق. م. ثم جالينوس الذي عاش في القرن الأول للميلاد وقد تعلم في الإسكندرية ومن المحدثين (فيزاليوس) الذي وضع التشريح في صورته الحديثة. راجع الموسوعة العربية الميسرة ص ٥٢٠.
(١) في (أ) ما بدلا من (مما).
(٢) في (ب) بزيادة (هو).
(٣) في (أ) بزيادة لفظ (تقدس).
(٤) قال تعالى : (وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) : البقرة ١٦٤.
وقال تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) : الرعد آية ٤.
وقال تعالى : (وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) : العنكبوت آية ٣٥.
(٥) سقط من (ب) وله الأمر والنهي.