باطل لأن رجحان الفعل على الترك ، إما أن يتوقف على مرجح أو لا. فعلى الثاني يلزم رجحان أحد طرفي الممكن بلا مرجح ، وينسد باب إثبات (١) الصانع ، ويكون وقوع الفعل بدلا عن الترك محض الاتفاق من غير اختيار للعبد (٢) ، وعلى الأول : إن كان ذلك المرجح من العبد ينقل الكلام إلى صدوره عنه فيلزم التسلسل وهو محال ، أو الانتهاء إلى مرجح لا يكون منه ، وإذا كان المرجح ابتداء أو بالآخرة لا من العبد بل من غيره ، ثبت عدم استقلال العبد بالفعل ، وعدم تمكنه من الترك ، لأن الترك لم يجز وقوعه مع التساوي ، فكيف مع المرجوحية ، ولأن وجود الممكن ما لم ينته رجحانه إلى حد الوجوب لم يتحقق على ما مر ، ولا يخفى أن هذا إنما يفيد إلزام المعتزلة القائلين باستقلال العبد ، واستناد الفعل إلى قدرته واختياره من غير جبر ، ولا يفيد أن العبد ليس بموجد لأفعاله.
وللمعتزلة هاهنا اعتراضات أحدها أن ما ذكرتم استدلال في مقابلة الضرورة فلا يستحق الجواب ، وذلك لأنا نعلم بالضرورة أن لنا مكنة واختيارا ، وأنا إن شئنا الفعل فعلنا ، وإن شئنا الترك تركنا.
وثانيها : أنه جار في فعل الباري فيلزم أن يكون موجبا لا مختارا ، وذلك لأن جميع ما لا بد منه في إيجاد العالم إن كان حاصلا في الأزل ، لزم قدم العالم وصدوره عن الباري بطريق الوجوب من غير تمكن من الترك لامتناع التخلف عن تمام العلة ، وإن لم يكن حاصلا ينتقل الكلام إلى حدوث الأمر الذي لا بد منه ولا يتسلسل بل ينتهي إلى أمر أزلي يلزم معه المؤثر ويعود المحذور.
وثالثها : أن ترجيح المختار أحد المتساويين جائز كما في طريقي الهارب ، وقد حي العطشان لأن الإرادة صفة شأنها الترجيح والتخصيص من غير احتياج إلى مرجح ، وإنما المحال الترجح بلا مرجح.
ورابعها : أن المرجح الذي لا يكون من العبد هو تعلق الإرادة وخلوص الداعي ، ووجوب الفعل معه لا ينافي الاختيار والتمكن من الفعل والترك بالنظر إلى القدرة.
__________________
(١) في (أ) بزيادة لفظ (إثبات).
(٢) في (أ) بزيادة لفظ (للعبد)