تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ ، وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ ، قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) (١) إن جميع الحسنات والسيئات من الطاعات والمعاصي وغيرها ، بخلق الله ومشيئته ، لأن منشأ الاحتياج أعني الإمكان أو الحدوث مشترك بين الكل بحيث لا ينبغي أن يخفى على العاقل ، فما لهم لا يفهمون ذلك فعلى هذا يكون قوله بعد ذلك (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ ، وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) (٢) واردا على سبيل الإنكار أي كيف تكون هذه التفرقة أو محمولا على مجرد السببية دون الإيجاد توفيقا بين الكلامين ، ومن قوله تعالى (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) (٣) وقوله تعالى (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٤) أن الإيمان وجميع الطاعات حاصلة من الله وبتكوينه لكونها نعما لنا ومرادة له. ومن قوله تعالى (كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) (٥) أنه الذي أثبت الإيمان ، وأوجده في القلوب. ومن قوله تعالى (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى) (٦) أنه يوجد الضحك والبكاء ، ومن قوله تعالى (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) (٧) أنه الموجد لسيرنا ومن قوله تعالى (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللهُ) (٨) أنه الموجد لوقوف الطير في الهواء ، مع أنه فعل اختياري من الحيوان ، وأمثال هذا كثيرة جدا (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) (٩) (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) (١٠) (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا) (١١) وتأويلات القدرية عدول عن الظاهر بلا ضرورة لما سيأتي من إبطال أدلتهم القطعية.
__________________
(١) سورة النساء آية رقم ٧٨.
(٢) سورة النساء آية رقم ٧٩.
(٣) سورة النحل آية رقم ٥٣.
(٤) سورة النحل آية رقم ٤٠.
(٥) سورة المجادلة آية رقم ٢٢.
(٦) سورة النجم آية رقم ٤٣.
(٧) سورة يونس آية رقم ٢٢.
(٨) سورة النحل آية رقم ٧٩.
(٩) سورة طه آية رقم ٢٥.
(١٠) سورة آل عمران آية رقم ١٢٦.
(١١) سورة آل عمران آية رقم ٨.