أدلة المعتزلة على أن أفعال العباد
واقعة بخلقهم وإيجادهم
قال (وأما المعتزلة)
(منهم من ادعى الضرورة لأن كل أحد يفرق بين حركة سقوطه وصعوده ، ويجد تصرفاته بحسب دواعيه ومقصوده ، وبحكم مدح من أحسن وذم من أساء ، وصحة طلب الشيء من الصحيح دون المقعد وصحة تحريك المدرة دون الجبل ولا شك في أن ما يطلبه أو ينهى عنه أو ما يتمناه إذ يتعجب منه ، إنما هو فعل فاعله ، كل ذلك بلا نظر وتأمل.
والجواب : أنها لا تفيد سوى أن من الأفعال ما هو متعلق بقدرته وإرادته واقع بحسب قصده وداعيته والمتنازع كونه بخلقه وإيجاده ، وقد خالف فيه أكثر العقلاء ، فادعاء كونه ضروريا آية الوقاحة فضرورة عمن هو في غاية الحذاقة لا يكون إلا تغبية وتلبيسا على أصحابه كيلا يتبين لهم رجوعه إلى الحق حيث ذهب إلى أن توقف ترجح القادر أحد طرفي الفعل والترك على الداعي ضروري ، وحصول الفعل عقيب الداعي واجب أو ينتفي حينئذ استقلال العبد بالفاعلية ، ويبطل الاعتزال بالكلية حيث لا يبقى المأمور مع الداعي الذي هو بخلق الله متمكنا من الفعل والترك ، كما إذا كان نفس الفعل كذلك.
قيل : المراد بالوجوب أنا نعلم أنه يفعل البتة مع إمكان الترك كثواب الأنبياء بالجنة ، وعقاب الكفار بالنار.
قلنا : إن لزم مع خلوص الداعي إيثار جانب الفعل بحيث لا يتمكن من الترك فذاك ، وإلا فلا فالوجوب مجرد تسمية واعتقاد الحصول رجم بالغيب ، وإنما يكون علما إذا اعتقد وجوب الصدور ، ولهذا يستدل بنفي الفعل على نفي القدرة والإرادة).