خاتمة في فصل النزاع
العبد مضطر في صورة المختار
فصل
(خاتمة : امتناع الترجح بلا مرجح وعدم العلم بتفاصيل الأفعال يعود إلى الجبر وحسن المدح والذم والأمر والنهي ، وكون الأفعال تابعة لقصد العبد وداعية إلى المقدور ، وكون العبد منبع النقصان يليق بالجبر ، وكثرة السفه ، والعبث والقبح في الأفعال بالقدر والآيات والآثار متكاثرة في الجانبين. فالحق أنه لا جبر ولا تفويض ، ولكن أمر بين أمرين إذ المبادي القريبة على الاختيار ، والبعيدة على الاضطرارية ، فالإنسان مضطر في صورة المختار).
يشير إلى ما ذكره الإمام الرازي من أن حال هذه المسألة عجيبة. فإن الناس كانوا مختلفين فيها أبدا بسبب أن ما يمكن الرجوع إليها فيها متعارضة متدافعة فمعول الجبرية على أنه لا بد لترجح الفعل على الترك من مرجح ، ليس من العبد ، ومعول القدرية على أن العبد لو لم يكن قادرا على فعله لما حسن المدح والذم ، والأمر والنهي ، وهما مقدمتان بديهيتان ، ثم من الدلائل العقلية اعتماد الجبرية على أن تفاصيل أحوال الأفعال غير معلومة للعبد ، واعتماد القدرية على أن أفعال العباد واقعة على وقوع مقصودهم ودواعيهم ، وهما متعارضان. ومن الإلزامات الخطابية أن القدرة على الإيجاد صفة كمال لا تليق بالعبد الذي هو منبع النقصان ، وأن أفعال العباد تكون سفها وعبثا فلا تليق بالمتعالي عن النقصان ، وأما الدلائل السمعية ، فالقرآن مملوء بما يوهم الأمرين ، وكذا الآثار. فإن أمة من الأمم لم تكن خالية من الفرقتين ، وكذا الأوضاع والحكايات متدافعة من الجانبين حتى قيل : إن وضع النرد على الجبر ، ووضع الشطرنج (١) على القدر. إلا أن مذهبنا أقوى بسبب أن القدح في
__________________
(١) شطرنج : لعبة قديمة يلعبها شخصان على رقعة مربعة بها ٦٤ مربعا ذات لونين مختلفين أحدهما فاتح والآخر غامق ، ولكل لاعب ١٦ قطعة يلعب بها ، ومن المعتقد أن أصل اللعبة هندي ، ثم انتقلت إلى ـ