المبحث الثاني
في عموم إرادته تعالى
(في عموم إرادته الحق أن كل كائن مراد له ، وبالعكس ، لما أجمع عليه السلف من أن ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، ولأنه خالق للكل مريده ، وعالم بعدم وقوع ما لم يقع فلا يريده ، لأن الإرادة (١) صفة شأنها الترجيح والتخصيص لأحد المتساويين بالنظر إلى القدرة وصرف الداعية إلى الدليل ولو بالغير من الإرادة والنصوص الشاهدة بما ذكرنا أكثر من أن تحصى.
والمعتزلة لم يكتفوا بقطع إرادته عن القبائح ، بل جزموا بأنها متعلقة بأضدادها. فجعلوا أكثر ما يجري في ملكه خلاف مراده ، تمسكا بأن إرادة القبيح قبيحة.
وأن العقاب على ما أريد ظلم ، وأن الأمر بما لا يراد والنهي عما يراد سفه ، وأن الإرادة تستلزم الأمر والرضاء والمحبة ، والكل فاسد ، ولا تمسك لهم بمثل قوله تعالى : (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) (٢) (قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) (٣) (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) (٤) (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) (٥).
وأما الرد على الذين قالوا (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) (٦) فلقصدهم الاستهزاء ولذلك قال الله تعالى (كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا
__________________
(١) يقول صاحب المواقف : قال الحكماء إرادته تعالى هي نفس علمه بوجه النظام الأكمل ويسمونه عناية ، وقال ابن سبنا العناية هي إحاطة علم الأول بالكل ، وبما يجب أن يكون عليه الكل حتى يكون على أحسن النظام وقال أبو الحسين وجماعة من رؤساء المعتزلة إرادته تعالى هو علمه الخ.
المواقف ج ٨ ص ٨١ ـ ٨٢ المقصد الخامس.
(٢) سورة غافر آية رقم ٣١.
(٣) سورة الأعراف آية رقم ٢٨.
(٤) سورة الزمر آية رقم ١٧.
(٥) سورة البقرة آية رقم ٢٠٥.
(٦) سورة الأنعام آية رقم ١٤٨.