المبحث الثالث
لا حكم للعقل بالحسن والقبح
(قال : المبحث الثالث.
لا حكم للعقل بالحسن والقبح بمعنى استحقاق المدح والذم عند الله تعالى ، خلافا للمعتزلة ، وأما بمعنى صفة الكمال والنقص أو ملاءمة الغرض أو الطبع وعدمها فلا نزاع. فعندنا الحسن بالأمر ، والقبح بالنهي ، بل عينهما وعندهم الأمر للحسن ، والنهي للقبح حتى لو لم يدركا بالعقل ضرورة أو نظرا كان الشرع كاشفا لا مبينا).
في الحسن والقبح جعل هذا من مباحث أفعال الباري تعالى مع أنها لا تتصف بالحسن والقبح بالمعنى الذي يذكره. أعني المأمور به والنهي عنه نظرا إلى أنهما بخلقه ، ومن آثار فعله ، وإلى أنهما بتفسير الخصم يتعلقان بأفعال الباري إثباتا ونفيا. وقد اشتهر أن الحسن والقبح عندنا شرعيان وعند المعتزلة عقليان ، وليس النزاع في الحسن والقبح بمعنى صفة الكمال والنقص كالعلم والجهل ، وبمعنى الملاءمة للغرض وعدمها كالعدل والظلم ، وبالجملة كل ما يستحق المدح أو الذم في نظر العقول ومجاري العادات ، فإن ذلك يدرك بالعقل. ورد الشرع أم لا ، وإنما النزاع في الحسن والقبح عند الله تعالى بمعنى استحقاق فاعله في حكم الله تعالى المدح أو الذم عاجلا والثواب والعقاب آجلا. ومبنى التعرض للثواب والعقاب على أن الكلام في أفعال العباد ، فعند ذلك بمجرد الشرع بمعنى أن العقل لا يحكم بأن الفعل حسن أو قبيح في حكم الله تعالى ، بل ما ورد الأمر به فهو حسن ، وما ورد النهي عنه فقبيح من غير أن يكون للعقل جهة محسنة أو مقبحة في ذاته ولا بحسب جهاته واعتباراته حتى لو أمر بما نهى عنه صار حسنا وبالعكس وعندهم للفعل (١) جهة محسنة أو مقبحة في حكم الله
__________________
(١) في (ب) للعقل بدلا من (للفعل).