مرّ ولقوة الأخيرين ذهب البعض منا إلى الحسن والقبح عقلا في بعض الأفعال).
للمعتزلة في كون الحسن والقبح عقليين وجوه :
الأول : وهو عمدتهم القصوى أن حسن مثل العدل والإحسان ، وقبح مثل الظلم والكفران مما اتفق عليه العقلاء حتى الذين لا يتدينون بدين ولا يقولون بشرع كالبراهمة (١) والدهرية (٢) وغيرهم ، بل ربما يبالغ فيه غير المليين حتى يستقبحون ذبح الحيوانات. وذلك مع اختلاف أغراضهم وعاداتهم ورسومهم ومواصفاتهم. فلو لا أنه ذاتي للفعل يعلم بالعقل لما كان كذلك.
والجواب : منع الاتفاق على الحسن والقبح بالمعنى المتنازع ، وهو كونه متعلق المدح والذم عند الله تعالى ، واستحقاق الثواب والعقاب في حكمه ، بل بمعنى ملاءمة غرض العامة وطباعهم وعدمها ، ومتعلق المدح والذم في مجاري العقول والعادات ولا نزاع في ذلك فبطل اعتراضهم بأنا نعني بالحسن ما ليس لفعله مدخل في استحقاق الذم ، وبالقبح خلافه ، وأما اعتراضهم بأنه لما ثبت المدح والذم واستحقاق الثواب والعقاب في الشاهد ، فكذا في الغائب قياسا ، فلا يخفى ضعفه. كيف ، وغير المتشرع ربما لا يقول بدار الآخرة والثواب والعقاب.
الثاني : أن من استوى في تحصيل غرضه الصدق والكذب بحيث لا مرجح أصلا ولا علم باستقرار الشرائع على تحسين الصدق ، وتقبيح الكذب ، فإنه يؤثر الصدق
__________________
(١) طائفة دينية موطنها الهند تنتسب إلى إبراهام ، والبراهمة هم طبقة الكهنة والحكام والفلاسفة اعلى المراتب في الديانة الهندوكية ويمثلون طبقة اجتماعية وراثية خاصة يقول الشهرستاني : ثم إن البراهمة تفرقوا أصنافا فمنهم أصحاب البددة ، أي البوذيين راجع ما كتبه البيروني في كتابه «تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة». وفيه تفصيل لهذا المذهب وما تفعله هذه الطائفة.
(٢) مذهب اعتقادي اشتق اسمه من الدهر والقول بأزليته وقدمه وأن الحياة بما في ذلك أفعال البشر تجري نتيجة للقوانين الطبيعية وإلى هذا تشير الآية (وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ). ويستتبع ذلك اعتقادهم أن المادة لا تفنى ، وأن الحواس هي أبواب المعرفة دون غيرها وأن المحسوسات هي الحقيقة الثابتة لهذا كثيرا ما يطلق على الدهرية اسم المادية أو الطبيعية وإن كانت تختلف الواحدة عن الأخرى في بعض الوجوه وقد نشأت هذه المدرسة في التفكير الإسلامي نتيجة للتأثر بمترجمات الفلسفة اليونانية.
راجع القاموس الإسلامي ج ٢ ص ٣٩٧.