المبحث الأول
الهدى قد يراد به الامتداد
(ويقابله الضلال. وقد يراد [به] الدلالة على الطريق الموصل ، ويقابله الإضلال ، وقد تستعمل الهداية في الدعوة إلى الحق وفي الإبانة وفي الإرشاد في الآخرة ، إلى طريق الجنة ، والإضلال في الإضاعة والإهلاك ، وقد يسندان مجازا إلى الأسباب.
وأما الخلاف في ما يدل على اتصاف الباري تعالى بالهداية والإضلال والطبع والختم (١) على قلوب الكفرة [المشركين] في طغيانهم ، فعندنا بمعنى خلق الهدى والضلال لما ثبت من أنه الخالق وحده. وعند المعتزلة ، الهداية الدلالة الموصلة إلى البغية أو البيان بمعنى نصب الأدلة أو منح الألطاف ، والإضلال الإهلاك والتعذيب أو التسمية والتلقيب بالضال ، أو منع الألطاف أو الإسناد مجاز ، وهذا مع ابتنائه على فاسد أصلهم يأباه ظاهر كثير من الآيات).
قد جرت العادة بتعقيب مسألة خلق الأعمال بمباحث الهدى والضلال (٢) والأرزاق والآجال ، ونحو ذلك ، فعقدنا لها فصلا وسميناه بفصل تفاريع الأفعال لابتناء عامة مباحثه على أنه تعالى هو الخالق لكل شيء ، وأنه لا قبح في خلقه وفعله ، وإن قبح المخلوق.
__________________
(١) الختم والطبع : مصدرا ختمت وطبعت ، وهو تأثير الشيء كنقش الخاتم والطابع ، والثاني : الأثر الحاصل عن الشيء ومنه قوله تعالى (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) البقرة آية ٧ وقال بعضهم : ختمه شهادته تعالى عليه أنه لا يؤمن وقوله تعالى : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ) سورة يونس آية ٦٥ أي نمنعهم من الكلام.
(٢) الضلال والضل : ضد الهدى ، وضللت بعيري ، واضللته إذا كان مطلقا فمرّ ولم تدر أين أخذ وأضللت خاتمي وضل في الدين وهو ضال وضليل.
والضلال ينقسم قسمين : ضلال في العلوم النظرية كالضلال في معرفة الوحدانية ومعرفة النبوة ونحوهما المشار إليه بقوله : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً).
وضلال في العلوم العملية كمعرفة الأحكام الشرعية.
راجع بصائر ذوي التمييز ج ٣ ص ٤٨١