المبحث الثاني
اللطف والتوفيق
قال (المبحث الثاني اللطف والتوفيق)
(والعصمة خلق قدرة الطاعة ، والخذلان خلق قدرة المعصية فالموفق لا يعصي وبالعكس وقيل العصمة (١) أن لا يخلق الله تعالى في العبد الذنب ، وقيل خاصية يمتنع بسببه صدور الذنب عنه ، وقالت الفلاسفة ملكة تمنع الفجور مع القدرة عليه ، وقالت المعتزلة اللطف ما يختار المكلف عنده الطاعة تركا أو إتيانا أو يقرب منهما مع تمكنه في الحالين ، ويسميان المحصل والمقرب ، ويختص المحصل للواجب باسم التوفيق ، وترك القبيح باسم العصمة ، وقيل : التوفيق : خلق لطف يعلم الله أن العبد يطيع عنده. والخذلان منع اللطف ، والعصمة لطف لا داعي معه إلى ترك الطاعة ، ولا إلى ارتكاب المعصية مع القدرة عليهما. قالوا : واللطف يختلف باختلاف المكلفين ، وليس في معلومه ما هو لطف في حق الكل ، ومن هاهنا حملوا المشيئة في مثل قوله تعالى (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) (٢) على مشيئة قسر وإلجاء).
خلق قدرة الطاعة ، والخذلان خلق قدرة المعصية ، والعصمة هي التوفيق بعينه ، فإن عممت كانت توفيقا عاما ، وإن خصصت كانت توفيقا خاصا كذا ذكره إمام الحرمين (٣) وقال : ثم الموفق لا يعصي إذ لا قدرة له على المعصية وبالعكس ،
__________________
(١) العصمة : المنع يقال : عصمه الطعام أي منعه من الجوع ، والعصمة أيضا الحفظ ، وقد عصمه يعصمه بالكسر ، عصمه فانعصم ، واعتصم بالله أي امتنع بلطفه من المعصية ، وقوله تعالى (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ) يجوز أن يراد لا معصوم أي لا ذا عصمة فيكون فاعل بمعنى مفعول ، والمعصم موضع السوار من الساعد ، واعتصم بكذا واستعصم به إذا تقوى وامتنع ، وفي المثل : كن عصاميا ولا تكن عظاميا يريدون به قوله :
نفس عصام سودت عصاما |
|
وعلمته الكرّ والإقداما |
(٢) سورة السجدة آية رقم ١٣.
(٣) هو عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويين ، أبو المعالي ركن الدين الملقب بإمام ـ