الثامن : أجمع الأنبياء والأولياء وجميع العقلاء على الدعاء لدفع البلاء (١) ، وكشف البأساء والضراء ، فعندكم يكون ذلك سؤالا من الله تعالى أن يغير الأصلح ، ويمنع الواجب وهو ظلم.
التاسع : أن أعطى أبا جهل (٢) لعنه الله غاية مقدوره من المصالح والألطاف ، فقد سوى بين النبي صلىاللهعليهوسلم وبين أبي جهل في الإنعام والإحسان ورجع فضل النبي عليهالسلام إلى محصن اختياره من غير امتنان ، وإن منع أبا جهل بعض المصالح والألطاف فقد ترك الواجب ولزم السفه والظلم على ما هو أصلكم الفاسد.
العاشر : لو وجب الأصلح لما بقي للتفضل مجال ، ولم يكن الله خيرة في الإنعام والإفضال وهو باطل لقوله تعالى (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ) (٣) (يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) (٤) (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ) (٥) (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) (٦) ولعمري إن مفاسد هذا الأصل أظهر من أن تخفى ، وأكثر من أن تحصى ، ولو وجب على الله الأصلح للعباد لما ضل المعتزلة طريق الرشاد.
__________________
(١) أخرج ابن ماجه بسنده عن ثوبان قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «لا يزيد في العمر إلا البر ، ولا يرد القضاء إلا الدعاء وإن الرجل ليحرم الرزق بخطيئة يعملها».
(٢) هو عمرو بن هشام بن المغيرة المخزوميّ القرشيّ ، أشد الناس عداوة للنبي صلىاللهعليهوسلم في صدر الاسلام ، وأحد سادات قريش وأبطالها في الجاهلية.
قال صاحب عيون الأخبار : سودت قريش أبا جهل ولم يطر شاربه فادخلته دار الندوة مع الكهول ، أدرك الإسلام ، وكان يقال له أبو الحكم فدعاه المسلمون أبا جهل ، قتل في غزوة بدر عام ٢ ه راجع ابن الأثير : ١ : ٢٣ ، ٢٥ ، ٢٦ ، ٢٧ ، والسيرة الحلبية ٢ : ٣٢
(٣) سورة القصص آية رقم ٦٨
(٤) سورة البقرة آية رقم ١٠٥
(٥) سورة البقرة آية رقم ٢٦٩
(٦) سورة آل عمران آية رقم ٣٣