المبحث الثاني
(أنه تعالى ليس بجسم ، ولا جوهر ، ولا عرض ، ولا في مكان وجهة.
فالحكماء (١) : لأن الجسم محتاج إلى جزئه ، والعرض إلى محله والجوهر وجوده زائد على ماهيته ، والمكان والجهة من خواص الجسم.
والمتكلمون : لأن الجوهر ينبئ لغة عمّا هو أصل الشيء والعرض : عمّا يمتنع بقاؤه ، وإن دار مع القائم بنفسه والقائم بغيره ، والجسم حادث ، لما سبق ومتحيز بالضرورة ومتصف ببعض الامتداد والاشكال لمخصص فتحتاج ، ولو كان الواجب متحيزا لزم قدم الحادث ، أعني الحيز ، ولزم إمكان الواجب ووجوب المكان ، لأن التحيز محتاج إلى الحيز دون العكس ولكان إما في كل حيز فيخالط ما لا ينبغي مع لزوم التداخل ، وإما في البعض بمخصص فيحتاج أولا فيلزم الترجيح بلا مرجح).
قال : الواجب ليس بجسم (٢) لأن كل جسم مركب من أجزاء عقلية هي الجنس والفصل ، ووجودية هي الهيولي والصورة ، أو الجواهر الفردة ومقدارية
__________________
(١) الحكيم : صاحب الحكمة ، ويطلق على الفيلسوف ، والعالم والطبيب وعلى صاحب الحجة القطعية المسماة بالبرهان والحكماء السبعة عند قدماء اليونانيين هم طالس ، وبيتاكوس ، وبياس وصولون ، وكليوبول ، وميزون ، وشيلون.
راجع : كتاب بروتاغوراس لأفلاطون.
(٢) الجسم في بادئ النظر هو هذا الجوهر الممتد للأبعاد الثلاثة الطول ، والعرض ، والعمق ، وهو ذو شكل ووضع ، وله مكان إذا شغله منع غيره من التداخل فيه معه ، فالامتداد ، وعدم التداخل هما إذا المعنيان المقومان للجسم ويضاف إليهما معنى ثالث وهو الكتلة. والجسم الطبيعي عند قدماء الفلاسفة هو مبدأ الفعل والانفعال ، وهو الجوهر المركب من مادة وصورة.