الثالث : وهو للمعتزلة أن عالميته واجبة ، لاستحالة الجهل عليه ، ولاستحالة افتقاره إلى فاعل يجعله عالما ، وكذا البواقي. والواجب لا يعلل ، لأن سبب الاحتياج إلى العلة ، هو الجواز لترجيح جانب الوجود ، فعالميته مثلا لا تعلل بالعلم ، بل يكون هو عالم بالذات بخلاف عالميتنا فإنها جائزة.
والجواب : بعد تسليم كون العالمية أمرا وراء العالم معللا به كما هو رأى مثبتي الأحوال ، أن وجوبها ليس بمعنى كونها واجبة الوجود لذاتها ، ليمتنع تعليلها ، بل بمعنى امتناع خلو الذات عنها ، وهو لا ينافي كونها معللة بصفة ناشئة عن الذات ، فإن اللازم للذات قد يكون بوسط.
الرابع : وهو (١) العمدة الوثقى لنفات (٢) الصفات من المليين (٣) ، أنها إما أن تكون حادثة فيلزم قيام الحوادث بذاته ، وخلوه في الأزل عن العلم والقدرة والحياة وغيرها من الكمالات ، وصدورها عنه بالقصد والاختيار أو بشرائط حادثة لا بداية لها ، والكل باطل بالاتفاق ، وإما أن تكون قديمة ، فيلزم تعدد القدماء وهو كفر بإجماع المسلمين ، وقد كفرت النصارى بزيادة قديمين (٤) ، فكيف بأكثر.؟
وأجيب : بأنا لا نسلم تغاير الذات مع الصفات ولا الصفات بعضها مع البعض ليثبت التعدد ، فإن الغيرين هما اللذان يمكن انفكاك أحدهما عن الآخر بمكان أو زمان ، أو بوجود وعدم أو هما ذاتان ليست إحداهما الأخرى وتفسيرهما بالشيئين أو الموجودين ، أو الاثنين فاسد ، لأن الغير من الأسماء الإضافية ، ولا إشعار في هذا التفسير بذلك.
__________________
(١) في (أ) بزيادة (أن).
(٢) في (ب) سقط كلمة (لنفات).
(٣) المليين : أصحاب الملل. والملة كالدين. وهي ما شرع الله لعباده على لسان المرسلين ليتوصلوا به إلى جوار الله. والفرق بينها وبين الدين أن الملة لا تضاف إلا إلى النبي الذي تستند إليه. نحو (فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) سورة آل عمران آية ٩٥. ولا تكاد توجد مضافة إلى الله تعالى ولا إلى آحاد أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ولا تستعمل إلا في جملة الشرائع دون آحادها.
راجع بصائر ذوي التمييز ج ٤ ص ٥١٨.
(٤) قال تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ).
وقال تعالى : (يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ؟ قالَ : سُبْحانَك).