المبحث الثاني
إثبات القدرة لله تعالى
(قال : بمعنى تمكنه من الفعل والترك ، وصحتهما عنه بحسب الدواعي ، فأصل الباب ، أن قدم الصانع مع حدوث المصنوع لا يتصور في القادر لامتناع التخلف ، فإذا ثبت حدوث الكل أو صدور الكل عنه بواسطة فظاهر وإلا فلا بد من نفي أن تتعاقب حوادث لا بداية لها يكون شيء وطأ في صدور الحوادث عن الموجب القديم ، وقد سبق ، وأن يوجب الموجب قديما مختارا يستند إليه الحوادث فهو وفاق).
المشهور أن القادر (١) هو الذي إن شاء فعل ، وإن شاء ترك. ومعناه : أنه يتمكن من الفعل والترك. أي يصح كل منهما عنه بحسب الدواعي المختلفة. وهذا لا ينافي لزوم الفعل عنه. عند خلوص الداعي بحيث لا يصح عدم وقوعه ولا استلزام عدم الفرق بينه وبين الموجب ، لأنه الذي يجب عنه الفعل نظرا إلى نفسه. بحيث لا يتمكن من الترك أصلا ، ولا يصدق أنه إن شاء ترك كالشمس في الإشراق. والنار في الإحراق.
وميل الإمام الرازي إلى أن الداعي من جنس الإدراكات وهو العلم أو الظن أو الاعتقاد أن في الفعل مصلحة ومنفعة مثلا. وقيل : من جنس الإرادة ، وقيل : نفس المصلحة والمنفعة ، ولا خفاء في أنها لا يلزم أن تكون كذلك في نفس الأمر ، إذ ربما يظن المفسدة مصلحة ، فيقدم على الفعل ، ثم الأصل المعول عليه في باب إثبات قادرية الباري أنه صانع قديم له صنع حادث ، وصدور الحادث عن القديم إنما يتصور بطريق القدرة دون الإيجاب. وإلا فيلزم تخلف المعلول عن تمام علته ، حيث وجدت في الأزل العلة دون المعلول ، ولا يتم هذا إلا بعد إثبات أن شيئا من الحوادث
__________________
(١) هو قادر ومقتدر ، ذو قدرة ومقدرة ، والقدير : هو الفاعل لما يشاء على قدر ما تقتضي حكمته لا زائدا عليها ولا ناقصا عنه ولذلك لا يصح أن يوصف به إلا الله تعالى ولا أحد يوصف بالقدرة من وجه إلا ويصح أن يوصف بالعجز من غير وجه الله تعالى فهو الذي ينتفي عنه العجز من كل وجه تعالى شانه.