يستند إلى الباري بلا واسطة ، وذلك بأن يبين أنه قديم بذاته وصفاته. وأن العالم حادث بجميع أجزائه على ما قرره المتكلمون. أو يبين امتناع أن يكون موجبا بالذات ، ويكون في سلسلة معلولاته لأنه (١) قديم مختار يستند إليه الحوادث ، وهذا مما وافقنا عليه الخصم ، أو حركة سرمدية (٢) يكون جزئياته الحادثة شروطا ومعدات في حدوث الحوادث على ما زعمت به الفلاسفة. وقد سبق في بحث التسلسل بيان استحالة وجود ما لا نهاية لها مجتمعة كانت أو متعاقبة. وفي بحث حدوث العالم بيان استحالة أزلية الحركة.
قال إمام الحرمين رحمهالله تعالى : دخول حوادث لا نهاية لها لإمدادها على التعاقب في الوجود معلوم البطلان بأوائل العقول ، وكيف ينصرم بالواحد على أثر الواحد ، ما انتفت عنه النهاية كالدورات (٣) التي قبل هذه الدورة التي نحن فيها على ما تزعم الملاحدة من أن العالم لم يزل على ما هو عليه ، ولم تزل دورة قبل دورة إلى غير أول ، ووالد قبل ولد ، وبذر قبل زرع ، ودجاجة قبل بيضة ، وهذا بخلاف إثبات حوادث لا آخر لها ، كنعيم الجنان ، فإنه ليس قضاء بوجود ما لا يتناهى. وهكذا كما إذا قال : لا أعطيك درهما إلا أعطيك قبله دينارا ، أو لا أعطيك دينارا إلا أعطيك قبله درهما فلم يتصور أن يعطيه على حكم شرطه درهما ولا دينارا بخلاف (٤) ما إذا قال : لا أعطيك درهما ، إلا أعطيك بعده دينارا ، ولا أعطيك دينارا إلا أعطيك بعده درهما.
__________________
(١) في (أ) بزيادة (لأنه).
(٢) سرمدا : اي دائما ومنه قول طرفة :
لعمرك ما أمري عليّ بغمة |
|
نهاري ولا ليلي علي بسرمد |
وهو من السرد أي المتابعة ، ومنه قولهم في الأشهر الحرم ، ثلاثة سرد وواحد فرد ، والميم زائدة ، ووزنه فعمل.
أن يوصف بالعجز من وجه غير الله تعالى فهو الذي ينتفي عنه العجز من كل وجه تعالى شأنه.
(٣) الدورة في الفلك : فترة تتكرر بعدها المواقع النسبية أو خصائص الأجرام السماوية ، كحركة الأرض حول الشمس ، والقمر حول الأرض ، والدورة الشمسية أن تعود بعدها الشمس إلى نفس الموقع بالنسبة للأرض فيتكرر ترتيب الأيام في التقويم ، ودورات أخرى للبقع الشمسية ، والنجوم المتغيرة .. راجع الموسوعة الميسرة ص ٨١٥.
(٤) سقط من (أ) بخلاف.