على هذا فالكون وجزء من أجزائه يستلزم علة تامة في تحقق وجوده ، والضرورة مهيمنة عليها بأسرها ، وقد نظّم هيكلها من مجموعة حوادث ضرورية وقطعية ، فمع هذا الوضع ، فإن صفة الإمكان في أجزائها (الظواهر التي ترتبط مع غير العلة التامة لها) محفوظة.
فالقرآن الكريم في بيانه يسمي هذا الحكم الضروري بالقضاء الإلهي ، لأن الضرورة هذه تتبع من وجود الخالق ، ولهذا يكون حكما وقضاء عادلا حتميا غير قابل للتخلف ، إذ لا يقبل الاستثناء أو التبعيض.
يقول جلّ شأنه : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) (١).
ويقول سبحانه وتعالى : (وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٢).
ويقول سبحانه وتعالى : (وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) (٣).
الثاني : إن كلا من أجزاء العلة ، لها مقدارها الخاص تمنحه إلى المعلول ، وتحقق المعلول وظهوره يطابق مجموع المقادير التي تعيّنها العلة التامة ، فمثلا العلل التي تحقق التنفس للإنسان ، لا تحقق التنفس المطلق ، بل يتنفس الإنسان مقدارا معينا من الهواء المجاور لفمه وأنفه وفي زمان ومكان معينين ، ووفق طريقة معينة ، ويتم ذلك عن طريق مجرى التنفس ، حيث يصل الهواء إلى الرئتين ، وهكذا
__________________
(١) سورة الأعراف الآية ٥٤.
(٢) سورة البقرة الآية ١١٧.
(٣) سورة الرعد الآية ٤١.