هذا هو البيان الظاهري للقرآن الكريم ، وقد جاء مطابقا لفكر الإنسان الاجتماعي ، لتكون فائدته أعمّ ، ونطاقه أشمل.
أما الذين تعمّقوا في الحقائق ، ولهم القدرة على فهم المعنى الباطني للقرآن الكريم ، فهم يدركون الآيات القرآنية على مستوى أرفع من العامة. والقرآن الكريم ، يلمح خلال تعابيره البسيطة أحيانا بالمعنى الباطني تلميحا.
فالقرآن الكريم بتعابيره المختلفة ، يذكر إجمالا أنّ الطبيعة بجميع أجزائها ، والإنسان أحدها ، في سيرها التكويني (نحو الكمال) تصير إلى الله تعالى ، وسيأتي اليوم الذي تنتهي حركتها وسيرها ، وتفقد إنيّتها واستقلالها كليا.
والإنسان هو جزء من أجزاء هذا الكون ، فإن طريق كماله الخاص يتم عن طريق الشعور والعلم ، مسرعا في طريقه إلى الله تعالى ، واليوم الذي يختتم به هذا المسير ، سيشاهد عيانا حقانية الله الأحد ، وسيرى أن القدرة والملك وكل صفة من صفات الكمال تنحصر في ذاته القدسية ، ومن هذا الطريق ، ستتجلّى له حقيقة الأشياء كلها.
وهذا هو أول منزل وموقف من العالم الأبدي ، فإذا كان الإنسان في هذه الدنيا ، بإيمانه وعمله الصالح ، أوجد ارتباطا واتصالا بالله تعالى واستأنس به ، وبالمقربين من عباده ، سيحظى بسعادة لا توصف ، وسيكون في جوار الله سبحانه ، ويكون قرين الصالحين في العالم العلوي ، وإذا ما كان ممن تربطهم علاقة وثيقة بهذه الدنيا الدنيئة ، ولذائذها الزائلة ، فقد قطع اتصاله بالعالم العلوي ،