حق قدره ، فوصفوه بالظلم مكان وصفه بالعدل.
وأجاب أبو إسحاق بقوله : الحمد لله الذي لا يجري في ملكه إلّا ما يشاء ، معلنا بأنّ القول بخروج أفعال العباد عن مشيئته ، يستلزم وقوع أشياء في ملكه خارجة عن مشيئته، فما قدروا الله حق قدره ، فأنكروا توحيده بإنكار سعة إرادته ، لصيانة عدله. (١)
والحق انّ كلتا الطائفتين ما قدروا الله حق قدره ، فركّزت المعتزلة على تنزيهه سبحانه فلم تر بدّا عن القول بعدم سعة إرادته لأفعال عباده ، كما ركّزت الأشاعرة على توحيده وتنزيهه عن الشرك والثنوية فلم تر بدّا من القول بسعة إرادته ، وإن استلزم الجبر.
وكلتا الفكرتين خاطئتان ، والحق إمكان الجمع بين التوحيد والتنزيه ، بين تعلّق إرادته بأفعال العباد وعدم لزوم الجبر ، بالبيان الآتي.
٢. ما هو المقصود من إرادته سبحانه؟
إذا أريد من إرادته سبحانه ، علمه بالأصلح ، فتختص إرادته سبحانه بأفعاله ، الموصوفة بالصلاح ويخرج أفعال العباد عن تحتها ، لعدم اقتران أفعالهم بالصلاح مطلقا ، إذ هم بين مطيع وعاص ، ويمنع أن يوصف العصيان بالصلاح.
وإن أريدت منها ، الإرادة المتجدّدة المتدرّجة الوجود ، فيمتنع وصفه بها ، لاستلزامه كون الذات معرضا للحدوث.
__________________
(١). الشريف الجرجاني : شرح المواقف : ٨ / ١٥٦.