ثانيهما : ما ذكره صدر المتألّهين ، وقال ما هذا حاصله :
إذا أردت التمثيل لتبيين كون الفعل الواحد فعلا لشخصين على الحقيقة ، فلاحظ النفس الإنسانية ، وقواها ، فالله سبحانه خلقها مثالا ، ذاتا وصفة وفعلا ، لذاته وصفاته وأفعاله ، قال سبحانه : (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ* وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (١) وقد أثر عن النبي والوصي القول بأنّه «من عرف نفسه ، عرف ربه» (٢).
إنّ فعل كل حاسة وقوة من حيث هو فعل تلك القوة ، فعل النفس أيضا. فالباصرة ليس لها شأن إلّا إحضار الصورة المبصرة ، أو انفعال البصر منها ، وكذلك السامعة ، فشأنها إحضار الهيئة المسموعة أو انفعالها بها ، ومع ذلك فكل من الفعلين ، كما هو فعل القوة ، فعل النفس أيضا ، لأنّها السميعة البصيرة في الحقيقة ، وليس شأن النفس استخدام القوى بل هو فوق ذلك. لأنّا إذا راجعنا إلى وجداننا نجد انّ نفوسنا بعينها الشاعرة في كل إدراك جزئي ، وشعور حسي ، كما أنّها المتحركة بكل حركة
__________________
(١). الذاريات : ٢٠ و ٢١.
(٢). غرر الحكم : ٢٦٨ ، طبعة النجف ، وروي عن أمير المؤمنين عليهالسلام قوله : «أعلمكم بنفسه أعلمكم بربه» أمالي المرتضى : ٢ / ٣٢٩.