فجوره اجتمع أهل الجبال على رجل من الإباضيّة يقال له مخلد بن كيداد ، وكان شيخا لا يقدر على ركوب الخيل ، فركب حمارا. وكان وزيره أعمى ، فاجتمع معه خلائق ، فسار فحصر القائم بالمهديّة.
وكان مخلد أعرج يكنّى أبا يزيد ، وهو من زناتة ، قبيلة كبيرة من البربر ، وكان يتنسّك ويقصر دلقة الصّوف ، ويركب حمارا ، ولا يثبت على الخيل.
وكان نافذ الأمر في البربر ، زاهدا ، ديّنا ، خارجيّا. قام على بني عبيد ، والنّاس على فاقة وحاجة لذلك. فقاموا معه وأتوه أفواجا ، ففتح البلاد ، ودخل القيروان. وتحيّز منه المنصور وتحصّن بالمهديّة الّتي بناها جدّه. ونفر مع مخلد الخلق والعلماء والصّلحاء ، منهم الإمام أبو الفضل التّنّيسيّ العبّاس بن عيسى الفقيه ، وأبو سليمان ربيع القطّان ، وأبو العرب ، وإبراهيم بن محمد.
قال القاضي عياض في ترجمة العبّاس بن عيسى هذا : وركب أبو العرب وتقلّد مصحفا ، وركب الفقهاء في السّلاح ، وشقّوا القيروان وهم يعلنون التّكبير والصّلاة على النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والتّرضي على الصّحابة. وركّزوا بنودهم عند باب الجامع. وهي سبعة بنود حمر فيها : لا إله إلّا الله ، ولا حكم إلّا لله وهو خير الحاكمين ، وبندان أصفران لربيع القطّان فيهما : نصر من الله وفتح قريب ، وبند مخلد فيه : اللهمّ انصر وليّك على من سبّ نبيّك ، وبند أبي العرب فيه : قاتلوا الّذين لا يؤمنون بالله ، وبند أصفر لابن نصرون الزّاهد فيه : (قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ) (١) ، وبند أبيض فيه : محمد رسول الله ، أبو بكر الصّدّيق ، عمر الفاروق ، وبند أبيض لإبراهيم بن محمد المعروف بالعشّاء فيه (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ) (٢) الآية.
وحضرت الجمعة فخطبهم أحمد بن أبي الوليد ، وحضّ على الجهاد. ثمّ ساروا ونازلوا المهديّة. فلمّا التقوا وأيقن مخلد بالنّصر غلب عليه ما عنده من الخارجيّة ، فقال لأصحابه : انكشفوا عن أهل القيروان حتّى ينال منهم عدوّهم.
ففعلوا ذلك ، فاستشهد خمسة وثمانون رجلا من العلماء والزّهّاد ، منهم ربيع القطّان ، والتّنّيسيّ ، والعشّاء.
__________________
(١) سورة التوبة ، الآية ١٤.
(٢) اقتباس من سورة التوبة ، الآية ٤٠ : (إِلَّا تَنْصُرُوهُ ...).