الطبقات الكبرى أنّ قريشاً قد تتبّعت أثر النبيّ (ص) ، وكان معهم سراقة بن مالك بن جشعم القرشي ، وهو خير من يعرف تتبّع الأثر ، وأنّه بفضل ذلك أدرك النبيّ وصاحبه أبا بكر ، وكيف أنّ قوائم فرسه قد ساخت في الأرض ، وأنّه طلب من النبي (ص) أن يدعُو الله أن يطلق فرسه ، وأنّه في مقابل ذلك يرجع عنه ويرد من وراءه ، ففعل النبيّ (ص) ، فأُطلق فرسه ورجع من حيث أتى «فوجد الناس يلتمسون رسول الله (ص) ، فقال لهم : ارجعوا فقد استبرأت لكم ما هاهنا وقد عرفتم بصري في الأثر ، فرجعوا عنه» (١).
٩ ـ عبد الله بن مسعود (ت / ٣٢ ه) :
أخرج ابن حزم الظاهري (ت / ٤٥٦ ه) ، عن الحارث بن سويد قال : «سمعت عبد الله بن مسعود يقول : ما من ذي سلطان يريد أن يكلفني كلاماً يدرأ عني سوطاً أو سوطين إلا كنت متكلماً به».
قال ابن حزم معقّباً : «ولا يعرف له من الصحابة رضي الله عنهم مخالف» (٢).
وهذا القول صريح باتفاق الصحابة على جواز التقية ، ولو باحتمال الخوف من سوط واحد من سياط السلطان الجائر.
ولم يقتصر أمر التقية عند ابن مسعود على الكلام فقط ، بل تعدّاه إلى أهم الأفعال العبادية ، حيث كان يتّقي من الوليد بن عقبة بن أبي معيط والي عثمان على المدينة ، فيصلّي خلفه على الرغم من أنّ الوليد هذا كان يأتي الى مسجد
__________________
(١) حياة الصحابة / محمد يوسف الكاندهلوي ٣٢٧ : ٤.
(٢) المحلّى / ابن حزم ٣٣٦ : ٨ مسألة : ١٤٠٩.