الموقف السادس في مسائله مع الإمام الصادق عليهالسلام (ت / ١٤٨ ه) :
المشهور عن الإمام أبي حنيفة قوله : «لو لا السّنتان لهلك النعمان» وهما سنتان من التلمذة المباشرة على يد الإمام الصادق عليهالسلام ، ولقد كانت بينهما لقاءات متكرّرة بالكوفة استفاد منها أبو حنيفة كثيراً ، وعرف عن كثب منزلة الإمام الصادق علماً وأدباً ونسكاً وورعاً ، ولا غرو في ذلك ، ومن أحقّ من أبي حنيفة بهذا؟
ولقد أوجس المنصور خيفة شديدة من التفاف الناس حول الإمام الصادق عليهالسلام ، فحاول الحطّ منه ، وتقليل شأنه في نظر العلماء أوّلاً ، ومن ثمّ ابعاد عامّة الناس عنه بعد أن يتمّ له ذلك ثانياً.
ومن محاولات المنصور تلك التي تكشف عن تقية أبي حنيفة ، ما قاله أبو حنيفة نفسه ، قال : «ما رأيت أفقه من جعفر بن محمّد ، لما أقدمه المنصور بعث إليّ فقال : يا أبا حنيفة إنّ الناس قد افتتنوا بجعفر بن محمّد فهيئ له من المسائل الشداد ، فهيّأت له أربعين مسألة ، ثمّ بعث إليّ أبو جعفر (أي : المنصور) وهو بالحيرة ، فأتيته ، فدخلت عليه ، وجعفر بن محمّد جالس عن يمينه ، فلمّا أبصرت به دخلتني من الهيبة لجعفر بن محمّد الصادق ما لم يدخلني لأبي جعفر ، فسلّمت عليه ، وأومأ إليّ فجلست ، ثمّ التفت إليه ، فقال : يا أبا عبد الله! هذا أبو حنيفة ، فقال : نعم ... ثمّ التفت إليَّ المنصور ، فقال : يا أبا حنيفة! ألقِ على أبي عبد الله من مسائلك ، فجعلت ألقي عليه فيجيبني ، فيقول : أنتم تقولون : كذا ، وأهل المدينة يقولون : كذا ، ونحن نقول : كذا. فربّما تابعنا ، وربّما خالفنا جميعاً. حتّى أتيت على الأربعين مسألة ثمّ قال مستدلاً على أنّ الإمام الصادق عليهالسلام أعلم أهل زمانه بلا منازع : ألسنا قد