لأنّه وقع تقيّة تحت طائلة الإكراه ، وقد سبق الكلام في الفصل الأوّل بأنّه احتجّ لذلك بقول ابن مسعود (ت / ٣٢ ه) : «ما من كلام يدرأ عنّي سوطين من سلطان إلا كنت متكلّماً به» (١).
وكان يقول : «ولأن أحلف سبعين يميناً وأحنث ، أحبّ إليّ من أن أدُلّ على مسلم» (٢).
الموقف الخامس :
مرّ هذا الموقف في تقيّة ابن سمعان من المنصور برقم / ٥٧ ، فراجعه ، ستجد أنّ الإمام مالكاً قد نظر لنفسه فرأى إن نطق كاذباً فقد أغضب الله تعالى ، وإن نطق صادقاً فقد أغضب المنصور ، ورأى أنّ من الحكمة أن يحذر غضب الله تعالى ، ويتّقي نقمة المنصور في ذلك الموقف الصعب ، ولهذا طلب أن يستعفيه من الجواب فاستعفاه.
٦٢ ـ سعيد بن أشرس ، صاحب مالك بن أنس (ت / ١٧٩ ه) :
ذكر القرطبي المالكي (ت / ٦٧١ ه) أنّ سعيداً كان قد آوى رجلاً بتونس ، وكان الرجل ممّن طلبه سلطان تونس ليقتله ، ويظهر من كلام القرطبي أنّ للسلطان التونسي عيوناً أخبرته بمكان من يطلب ، وانّه أحضر سعيداً ، فأنكر ، فاستحلفه ، فحلف له على أنّه ما آواه ، ولا يعلم له مكاناً (٣).
ونكتفي بهذا القدر ممّن اتّقى من التابعين ، وننتقل إلى موقف جديد آخر مع روم الاختصار.
__________________
(١) المدونة الكبرى / مالك بن أنس ٢٩ : ٣.
(٢) الجامع لأحكام القرآن / القرطبي المالكي ١٢٤ : ١٠.
(٣) م. ن ١٨٩ : ١٠.