على الفقراء والمساكين ، وهذه حقيقة يجدها الباحث في جميع كتب التراجم والرجال.
وقد بلغت نفرته من الحكّام انّه حرّم على نفسه شرب ماء دجلة ، لأنّه كان يعدّ ذلك ممّا جرى عليه الغصب ، واكتفى بماء الآبار (١).
وبناءً على هذا الرأي فإنّ سكنه في بغداد يعدّ من أوضح مظاهر تقيّته ، لأنّ من يرى ماء دجلة قد جرى عليه الغصب ، سوف لن يرَى شبراً من أرضِ بغداد إلا وقد جرى عليه حكم الغصب أيضاً.
ترى ، هل اكره ابن حنبل على الإقامة ببغداد؟ أم اتّخذها اختياراً مقرّاً ومقاماً؟
قال الدكتور القطري في موقف الخلفاء : «انّه سكن بغداد اضطراراً حتّى روي عنه أنّه قال : دفعتنا الضرورة إلى المقام بها ، كما دفعت الضرورة المضطرّ إلى أكل الميتة» (٢).
ومن تقيّته أيضاً اختلاف قوله في المحنة ، وما تعرّض له في عهدي المأمون (ت / ٢١٨ ه) ، والمعتصم (ت / ٢٢٧ ه). فقد ذكر المؤرّخون لأحداث هذه المحنة أنّ المأمون العباسي كتب إلى إسحاق بن إبراهيم واليه علي بغداد (ت / ٢٣٥ ه) كتاباً يأمره فيه أن يمتحن القضاة والفقهاء والمحدّثين في مسألة خلق القرآن فأحضر إسحاق جملة كبيرة منهم ، وفيهم أحمد بن
__________________
(١) موقف الخلفاء العباسيّين من أئمّة أهل السُنّة الأربعة : ٣٥١ نقله عن جلاء العينين للآلوسي : ١٨٥.
(٢) موقف الخلفاء العبّاسيين من أئمّة أهل السُنّة الأربعة : ٣٥١.