وإنّما كان عالماً منصفاً لا تخشى بوادره.
ومنها : انّه كان يرى التقيّة ، لأنّه شارك السيّد الحسني في ترك هذا الاسلوب من الحديث ، والخوض في غيره ، لا سيّما وأنّه قال : (فتركنا) و (وخضنا).
ومنها : تخوّف العلماء من الحديث عن علي عليهالسلام ، حتّى في أواخر الدولة العباسيّة ، وما يستتبع خوفهم هذا من التقية.
على أنّ ما جرى لابن أبي الحديد والسيّد الحسني مرّة واحدة ، يجري كل يوم مرات ، ولو راجع الإنسان نفسه لوجد انّه قد طبّق هذا الموقف في حياته ، أو أدركه من غيره ، وما أكثر الكلام الذي تغيّر مجراه التقية ، أو تحوّله إلى همس فجأة!
٨٠ ـ يحيى بن شرف النووي الشافعي (ت / ٦٧٦ ه) :
بين النووي في شرح حديث صحيح مسلم الخاص بذكر الدجّال وفتنته الدلائل التي يعجز عنها الدجّال على الرغم ممّا يظهر على يديه من المخاريق ، ثمّ قال : «ولهذه الدلائل وغيرها لا يغترّ به إلا رعاع الناس لسدّ الحاجة والفاقة ، رغبة في سدّ الرمق ، أو تقيّة وخوفاً من أذاه ، لأنّ فتنته عظيمة جدّاً ، تدهش العقول ، وتحيِّر الألباب ...» (١).
أقول : إنّ اغترار الرعاع من الناس بالدجّال ممكن ، والتعليل بسدّ الحاجة والفاقة ممكن أيضاً ، أمّا من يتّقيه فلا يمكن أن يغترّ به ، وإن حصلت تقية
__________________
(١) صحيح مسلم بشرح النووي ٥٩ : ١٨ باب ذكر الدجّال.