وقد صحّ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه قال في ذلك العصر الأوّل : حفظت من رسول الله (ص) وعاءين ، فأمّا أحدهما فبثثته في الناس ، وأمّا الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم ...» (١).
٨٤ ـ المراغي (ت / ١٣٦٤ ه) :
عمّم الشيخ محمّد مصطفى المراغي العمل بالتقية قولاً وفعلاً ولم يقيّدها بالإكراه على تلفّظ كلمة الكفر ، بل أخرجها إن صحّ التعبير عن دائرة الإكراه الفردي ، وأباحها للدول الإسلامية عند تعاملها مع الدول الاخرى ، كما لم يقيّد التقيّة بحالات الخوف أو الضعف عند الإكراه عليها ، بل أطلق استعمالها في جميع ما يعود بالنفع للدول الإسلامية ، ومصالح المسلمين ، وفي كل آن وزمان ، وفي الشدّة والرخاء.
قال : «فلا مانع من أن تحالف دولة إسلامية دولة غير مسلمة لفائدة تعود على الاولى ، إمّا بدفع ضرر ، أو جلب منفعة ، وليس لها أن تواليها في شيء يضرّ بالمسلمين ، ولا تختص هذه الموالاة بحال الضعف ، بل هي جائزة في كل وقت ، وقد استنبط العلماء من هذه الآية (٢٨ : ٣) جواز التقية بأن يقول الإنسان ، أو يفعل ما يخالف الحقّ ، لأجل التوقي من ضرر الأعداء ، يعود إلى النفس ، أو العِرض ، أو المال ...
ويدخل في التقية مداراة الكفرة ، والظلمة ، والفسقة ، وإلانة الكلام لهم ، والتبسّم في وجوههم ، وبذل المال لهم لكفّ أذاهم ، وصيانة العِرض منهم ، ولا يعدّ هذا من الموالاة المنهيّ عنها ، بل هو مشروع.
__________________
(١) تفسير القاسمي (محاسن التأويل) ٨٢ : ٤.