وجاء في حدائق الأزهار : «ويجوز باكراه القادر بالوعيد بقتل أو قطع عضو كل محظور ، إلا الزنا. وإيلامه أو هى ، وسبّه ، ولكن يضمَن المال ، ويتأوّل كلمة الكفر ، وما لم يبق له فيه فعل فكَلا فِعل ، وبالاضرار ترك الواجب ، وبه تبطل أحكام العقود. وكالإكراه خشية الغرق ونحوه» (١).
وقد شرح الشوكاني عبارة الحدائق في سيله الجرّار ، بأنّ جواز فعل ما يكره عليه بالوعيد بالقتل ، أو قطع العضو ، قد أذن به الشرع ، ورفع التكليف به ، قال : «ولا شكّ أنّ الكفر هو الغاية التي ليس ورائها غاية في معصية الله عزوجل ، وقد أباح الله التكلّم بكلماته مع الإكراه ، بقوله (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً) (٢)» (٣).
ثمّ قال : «وأمّا الإكراه بالاضرار فقط ، فالظاهر انّه يجوز به فعل المحظور ... وأيضاً قد أباح الله أكل الميتة لمجرّد الاضطرار إليها ، وأكلها من جملة المحظورات كما هو معلوم. ومن جملة ما يدلّ على الجواز مع مطلق الضرر قوله عزوجل : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) (٤)» (٥).
ثمّ بيّن وجه استثناء الزنا من المحظورات ، لأنّه فاحشة كبرى ، أمّا وجه استثناء إيلام الآدمي ، فلأنّه لا يجوز دفع الضرر عن نفسه بإنزاله بغيره.
وردّ على الحدائق بأنّه لا وجه لمنع سبّ الآدمي عند الإكراه ، كما ردّ القول
__________________
(١) حدائق الأزهار / أحمد بن يحيى الملقّب بالمهدي : ٢٦٤ مطبوع مع شرحه السيل الجرّار للشوكاني.
(٢) النحل : ١٦ / ١٠٦.
(٣) السيل الجرّار المتدفّق على حدائق الأزهار / الشوكاني ٢٦٤ : ٤.
(٤) آل عمران ٢٨ : ٣.
(٥) السيل الجرّار ٢٦٥ : ٤.