وقال الرازي الشافعي (ت / ٦٠٦ ه) «إنه تعالى حكى عن ذلك المؤمن أنّه كان يكتم إيمانه ، والذي يكتم يمكنه أن يذكر هذه الكلمات مع فرعون؟
ولهذا السبب حصل هنا قولان :
الأوّل : إنّ فرعون لما قال : (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى) لم يصرّح ذلك المؤمن بأنّه على دين موسى بل أوهم أنّه مع فرعون وعلى دينه ، إلا أنّه زعم أن المصلحة تقتضي ترك قتل موسى ، لأنّه لم يصدر عنه إلا الدعوة إلى الله ، والإثبات بالمعجزات القاهرة ، وهذا لا يوجب القتل ، والإقدام على قتله يوجب الوقوع في ألسنة الناس بأقبح الكلمات.
الثاني : إن مؤمن آل فرعون كان يكتم إيمانه أوّلاً ، فلمّا قال فرعون : (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى) أزال الكتمان وأظهر كونه على دين موسى ، وشافه فرعون بالحقّ» (١).
أقول : إن سياق الآية وما بعدها من آيات اخر يؤكّد صحة القول الأوّل من أنّه كان الرجل المؤمن يكتم إيمانه قبل قول فرعون وبعده أيضاً ، إذ لو كان قد أزال كتمان الإيمان لما قال : (وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ) وقوله : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) وهذا لا يقوله من يظهر الإيمان ، وقد احتمل ابن الجوزي في هذا القول احتمالين ، وهما :
«أحدهما : مسرف على نفسه ، كذّاب على ربّه ، إشارة إلى موسى ، ويكون هذا من قول المؤمن.
الثاني : مسرف في عناده ، كذّاب في ادّعائه ، إشارة إلى فرعون (ويكون)
__________________
(١) التفسير الكبير / الرازي ٦٠ : ٢٧.