القرآن الكريم ، ولأجل تقريب دلالتها على التقية كان لا بدّ من التعرّض لقصّتهم على نحو ما في كتب التفسير السُّنّية ، وباختصار كثير فنقول :
إنّ للمفسّرين في بيان قصّتهم أقوالاً ، أشهرها ثلاثة ، وهي :
القول الأوّل : إنّهم هربوا من مَلكهم بعد أن دعاهم إلى عبادة الأصنام ، فلجئوا إلى الكهف الذي سدّه الملك عليهم ليموتوا فيه. وإنّ رجلين من المؤمنين كانا يكتمان إيمانهما قد كتبا أسماء أهل الكهف في لوح من الرصاص وجعلاه في تابوت من نحاس وأثبتاه في باب الكهف ، لعلّ الله تعالى يُطلع عليهم قوماً مؤمنين فيعلمون أخبارهم ، وقد اسند هذا القول إلى ابن عبّاس رضي الله عنه (١).
وهذا القول يدلّ على أنّهم كانوا يتّقون من مَلكهم ، ويكتمون إيمانهم عنه قبل أن يكرههم ملكهم على عبادة الأصنام ، فلم يسعهم بعد ذلك إلا الهرب بدينهم ونجاة أنفسهم ، ولا شكّ أنّهم كانوا قبل ذلك ليس في عُزلة عن الناس ، وإنّما كانوا في معاشرة ظاهرة ، ومخالطة فيها من المداراة الكثير ، لأنّ كتم الإيمان لا يكون في العُزلة ، وإنّما يكون في المعاشرة والمخالطة ، وهذا هو معنى التقية.
القول الثاني : إنّهم هربوا من ملكهم بجناية اتُّهِم بها أحد المؤمنين من الذين كانوا يكتمون إيمانهم خوفاً على أنفسهم من ملكهم الكافر ، وكان أصحاب الكهف من رفاق هذا المؤمن ، فخافوا من الملك بعد أن أمر بطلبهم فهربوا إلى الكهف ، وقد نُسب هذا القول إلى وهب بن منبه (ت / ١١٤ ه) (٢).
__________________
(١) زاد المسير / ابن الجوزي ١٠٩ : ٥ ، الجامع لأحكام القرآن / القرطبي ٣٥٧ : ١٠.
(٢) زاد المسير / ابن الجوزي ١١٠ : ٥.