الاعتذار عنهم بالاجتهاد
ولا يمكن لأحد أن يعتذر عن خطأ بعضهم ، أو ضلاله بالاجتهاد ، لأنّ الاجتهاد ، في خلاف الله تعالى ، وخلاف رسوله (ص) ، هو الآخر كفر وضلال ، ولو كان مثل هذا الاجتهاد ينفع صاحبه ، لنفع اجتهاد إبليس في مخالفة الله تعالى ، وعصيانه لأمره تعالى ثم إن الحكم باجتهاد جميع الصحابة ممّا يقطع ببطلانه كل من اطّلع على أحوالهم ، ووقف على تاريخ حياتهم ، حينما يرى فيهم الأميّون الذين لا يعلمون الكتاب ، ويجهلون أكثر أصول الإسلام ، وشرايع الدين ، كما أخبر الله تعالى عنهم في القرآن بقوله تعالى في سورة الجمعة آية ٢ : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ ، وَيُزَكِّيهِمْ ، وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) وفيهم الأعراب الذين قال الله تعالى فيهم في سورة التوبة آية ٩٧ : (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ) وفيهم من أسلم قبل وفاة النبي (ص) بأيام ، وليس لهؤلاء نصيب من الاجتهاد ، والاجتهاد كما تعلمون ملكة لا تحصل إلّا بعد الفحص الكثير ، والتدقيق ، والتنقيب ، وبذل الجهد ، والممارسة التامة ، ومعرفة الأدلّة ، والخوض فيها بالاستدلال ، وهذا شيء لا يختلف فيه اثنان من علماء الإسلام.
ومجرّد كون الاجتهاد كان ممكنا لهم ، لا يمنع من عدم حصول ملكة الاجتهاد لأكثرهم ، ولا يقتضي الحكم بحصولها للجميع ، لأنّه خلاف العلم العادي ، ولأنّه يستلزم غلق سوق المسلمين في عصرهم إذا كان كل واحد منهم يريد الحصول عليها لاحتياجه إلى بذل الجهد والممارسة التامّة والبحث والتنقيب كما قدمنا ، وذلك ما يشغله عن كل عمل غيره مطلقا ، كما يجب أن يكون مستندا إلى الكتاب والسنّة ، لا إلى الرأي والهوى ، وما تشتهي النفس ، وما تشاء ، وكيف يمكن أن