من يخلص من النار وهم مثل همل النعم ، وقد تقدم ذكر ذلك كلّه فلا أراني محتاجا إلى إعادته عليكم بالتكرار.
حديث القرون مخالف للعقل السليم
ثالثا : إنّ حديث القرون مخالف للعقل السليم وباطل بمقتضى العدل الإلهي ، ولا نصيب له من الحكمة ، وذلك لأنّه إن كانت العلّة في خيرية جميع الناس في عصره (ص) هي تقدم خلقتهم في الزمان المتقدم على من يأتي بعدهم ، فقد ثبت بالإجماع القطعي أنّ أمّة النبي (ص) أفضل من جميع الأمم المتقدمة قبلها ، وأنّ رسول الله (ص) أفضل من جميع الأنبياء (ع) المتقدمين عليه (ص) أو حينئذ يجب طرد هذه العلّة لاستحالة التخصيص في عموم العلّة فإنّه لا يصحّ عقلا أن يقال : إنّ بعض النار محرق ، وبعضها غير محرق ، وعلى هذا يلزمكم أن تقولوا بأنّ كل أمّة أفضل ممّن تأتي بعدها ، واللازم باطل إجماعا وقولا واحدا ، وذلك لثبوت أفضلية آخر الأمم ممّن كان قبلها من الأمم.
فالحديث باطل من هذه الجهة أيضا وإن كانت العلّة في خيرية معاصريه (ص) هي رؤيتهم النبي (ص) ، وإيمانهم به ، وجهادهم بين يديه (ص) ، وكذا حال من كان بعدهم من التابعين الذين نقلوا إلينا الأحاديث ، والعلوم عنهم ، فقد ثبت بالبداهة أنّ تقدمهم في الخلقة والإيجاد هو من صنع الله تعالى ، وفعله ، فلا حمد لهم فيه ، ولا ثناء ، لأنّه ليس من فعل الإنسان ولا ممّا يسند إليه ، لكي يستحق المدح والثناء عليه ، كما لا ذمّ ، ولا عقاب فيه عليه ، ومن المعلوم أنّ الله تعالى لا يثيب الإنسان ، ولا يثني عليه ، على شيء هو تعالى خلقه ، ولا يذمّه ولا يعاقبه عليه ، فعلى هذا الأساس إنّ كل من شاهد النبي (ص) ورأى دلائل نبوّته (ص) ، ومعجزات رسالته (ص) ، لا يكون معذورا