وفى حديث عمران بن حصين «كان يُسَلَّمُ علىّ حتى اكتويت» يعنى أنّ الملائكة كانت تسلّم عليه ، فلما اكتوى بسبب مرضه تركوا السلام عليه ؛ لأن الكىّ يقدح فى التّوكل والتَّسْلِيمِ إلى الله والصبر على ما يبتلى به العبد وطلب الشفاء من عنده ، وليس ذلك قادحا فى جواز الكىّ ولكنّه قادح فى التّوكّل ، وهى درجة عالية وراء مباشرة الأسباب.
(س) وفى حديث الحديبية «أنه أخذ ثمانين من أهل مكة سَلْماً» يروى بكسر السين وفتحها ، وهما لغتان فى الصّلح ، وهو المراد فى الحديث على ما فسّره الحميدى فى غريبه. وقال الخطّابى : أنه السَّلَمُ بفتح السين واللام ، يريد الِاسْتِسْلَامَ والإذعان ، كقوله تعالى (وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ) أى الانقياد ، وهو مصدر يقع على الواحد والاثنين والجميع. وهذا هو الأشبه بالقضية ؛ فإنهم لم يؤخذوا عن صلح. وإنما أخذوا قهرا وأَسْلَمُوا أنفسهم عجزا ، وللأوّل وجه ، وذلك أنهم لم تجر معهم حرب ، وإنما لمّا عجزوا عن دفعهم أو النّجاة منهم رضوا أن يؤخذوا أسرى ولا يقتلوا ، فكأنهم قد صولحوا على ذلك فسمّى الانقياد صلحا وهو السلم.
ومنه كتابه بين قريش والأنصار «وإنّ سِلْمَ المؤمنين واحد لا يُسَالَمُ مؤمن دون مؤمن» أى لا يصالح واحد دون أصحابه ، وإنما يقع الصّلح بينهم وبين عدوّهم باجتماع ملئهم على ذلك.
(ه) ومن الأول حديث أبى قتادة «لآتينّك برجل سَلَمٍ» أى أسير لأنه اسْتَسْلَمَ وانقاد.
وفيه «أَسْلَمُ سَالَمَهَا الله» هو من المُسَالَمَةِ وترك الحرب. ويحتمل أن يكون دعاء وإخبارا : إما دعاء لها أن يُسَالِمَهَا الله ولا يأمر بحربها ، أو أخبر أن الله قد سَالَمَهَا ومنع من حربها.
وفيه «الْمُسْلِمُ أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسْلِمُهُ» يقال : أَسْلَمَ فلان فلانا إذا ألقاه إلى الهلكة ولم يحمه من عدوّه ، وهو عامّ فى كل من أسلمته إلى شىء ، لكن دخله التّخصيص ، وغلب عليه الالقاء فى الهلكة.
ومنه الحديث «إنى وهبت لخالتى غلاما ، فقلت لها لا تُسْلِمِيهِ حجّاما ولا صائغا ولا قصّابا» أى لا تعطيه لمن يعلمه إحدى هذه الصنائع ، إنما كره الحجّام والقصّاب لأجل النّجاسة التى يباشرانها مع تعذّر الاحتراز ، وأما الصائغ فلما يدخل صنعته من الغشّ ، ولأنه يصوغ الذهب