يتوجه في الجملة الى شيء وراء ذاته وانه ليس من سنخ ذاته وهذه هي الفطرة التكوينية الموجودة في جميع الموجودات أي صلة المصنوع بصانعه وهي في الانسان بل الحيوان قد يكون ملتفتا إليها كما قلناه وكثيرا ما يكون مغفولا عنها ويمكن ان يكون هذا معنى الخبر المعروف على فرض صحة المنقول عن النبي (ص) من عرف نفسه فقد عرف ربه يعنى عرف عرفانا سابقا على عرفان نفسه فالفطرة التكوينية عرفت الفقر الذاتي الكائن في المخلوق من كل جهة الى الخالق الغني من كل جهة. يا ايها الناس انتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد سورة فاطر ١٦.
وفي المحاسن عن زرارة عن الصادق عليهالسلام قال ثبتت المعرفة في قلوبهم ونسوا الموقف وسيذكرونه يوما ولو لا ذلك لم يدر أحد من خالقه ولا رازقه وقد ظهر من ذلك أن الحق الحقيق أن التصديق بوجود الله تعالى بل توحيده أمر جبلي قد فطر الناس عليه ولذلك ترى الناس عند الوقوع في الأهوال وصعاب الأحوال يتوكلون بحسب همهم عليه تعالى ويتوجهون في جميع امورهم إليه ويعتقدون ان في الخارج مسببا لتلك الأسباب ومسهلا لتلك الصعاب وهم مجبولون على ذلك ومعترفون بما هناك وان لم يتفطنوا لذلك ويشهد لذلك قوله تعالى ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله (قل أرأيتم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه ان شاء وتنسون ما تشركون الانعام آية ٤١).
بما ذا تكونت العقيدة الدينية في الانسان
لما حاول الانسان أن يكتشف بغريزة التعقل مصدر العالم ومصيره اهتدى عن طريق الفطرة الصادقة والعقل منذ المراحل القديمة بغريزة الشعور الديني وعاطفته الفطرية إلى الاذعان بالدين الفطري الذي يقوم أساسه على معرفة مبدأ العالم ومعاده فهذه الفطرة الانسانية وغريزة التعقل التي تكونت بها الفلسفة ومعرفة المبدأ هي