لا يزال يلبس صورة ويخلعها وتفاض عليه أخرى ، وهكذا لا تزال تعتور عليه الصور منذ كان نطفة فعلقة فعظاما فجنينا فمولودا فرضيعا فغلاما فشابا فكهلا فشيخا فميتا فترابا.
وفي ذلك كله هو هو لم يتغير ذاته وان تبدلت احواله وصفاته ، فهو يوم كان رضيعا هو نفسه يوم صار شيخا هرما لم تتبدل هويته ولم تتغير شخصيته ، بل هناك اصل محفوظ يحمل كل تلك الأطوار والصور ، وليس عروضها عليه وزوالها عنه من باب الانقلاب ، فان انقلاب الحقائق مستحيل ، فالصورة المنوية لم تنقلب دموية او علقية ولكن زالت صورة المني وتبدلت بصورة الدم وهكذا فالصورة متعاقبة متبادلة لا متعاقبة منقلبة.
وهذه الصور كلها متعاقبة في الزمان لضيق وعائه مجتمعة في وعاء الدهر لسعته ، والمتفرقات في وعاء الزمان مجتمعات في وعاء الدهر ، ولا بد من محل حامل وقابل لتلك الصور المتعاقبة ما شئت فسمه مادة او هيولى ، وكما أن المادة ثابتة لا تزول فكذلك الصور كلها ثابتة ، والشيء كما نعرف لا يقبل ضده والموجود لا يصير معدوما والمعدوم لا يصير موجودا ، وان انقلاب الحقائق مستحيل.
الروح او النفس المجردة
لقد ثبت عند العلماء (الفسيولوجيين) تحقيقا أن كل حركة تصدر من الانسان بل ومن الحيوان تستوجب احتراق جزء من المادة العضلية والخلايا الجسمية ، وكل فعل ارادي او عمل فكرى لا بد وأن يحصل منه فناء في الأعصاب واتلاف من خلايا الدماغ بحيث لا يمكن لذرة واحدة من المادة أن تصلح مرتين للحياة.
ومهما يبدر من الانسان بل مطلق الحيوان من عمل عضلي أو فكري فالجزء من المادة الحية التى صرفت لصدور هذا العمل تتلاشى تماما ثم تأتي مادة جديدة