وما عليه وما أخذه وما أعطى وما رأى وما سمع وما قال وما قيل له ولم يذكر من أحسن إليه ممن أساء به وما نفعه مما ضره ثم كان لا يهتدي لطريق لو سلكه ما لا يحصى ولا يحفظ علما ولو درسه عمره لا ينتفع بتجربة ولا يستطيع أن يعتبر شيئا على ما مضى بل كان حقيقا أن ينسلخ من الإنسانية أصلا فانظر إلى النعمة على الإنسان في هذه الخلال وكيف موقع الواحدة منها دون الجميع.
وأعظم من النعمة على الإنسان في الحفظ النعمة في النسيان ، فإنه لو لا النسيان لما سلا أحد عن مصيبة ولا انقضت له حسرة ولا مات له حقد ولا استمتع بشيء من متاع الدنيا مع تذكر الآفات ولا رجى غفلة من سلطان ولا فترة من حاسد.
أفلا ترى كيف جعل في الإنسان الحفظ والنسيان وهما مختلفان متضادان وجعل له في كل منهما ضرب من المصلحة.
وما عسى أن يقول الذين قسموا الأشياء بين خالقين متضادين في هذه الأشياء المتضادة المتباينة وقد تراها تجتمع على ما فيه الصلاح والمنفعة.
من عجائب الصنع في الحيوان :
فكر في الفطن التي جعلت في البهائم لمصلحتها بالطبع والخلقة لطفا من الله عزوجل لهم لئلا يخلو من نعمه عزوجل أحد من خلقه لا بعقل وروية.
النجوم :
فكر في النجوم واختلاف سيرها فبعضها لا تفارق مراكزها من الفلك ولا تسير إلا مجتمعة وبعضها مطلقة تثقل في البروج وتفترق في سيرها فكل واحد منها يسير سيرين مختلفين أحدهما عام مع الفلك نحو المغرب والآخر خاص لنفسه نحو المشرق فاسأل الزاعمين أن النجوم صارت على ما هي عليه بالإهمال من غير عمد ولا صانع لها ما منعها أن تكون كلها مرتبة أو تكون كلها منتقلة ، فإن الإهمال معنى واحد فكيف صار يأتي بحركتين مختلفتين على وزن وتقدير ، ففي