طويل الفكرة ، (يقلّب كفّه ويعاتب نفسه) (١) ، يعجبه من اللباس ما خشن ، ومن الطعام ما جشب.
وكان فينا كأحدنا ، يجيبنا إذا سألناه ، ويأتينا إذا دعوناه ، ونحن ـ والله ـ مع تقريبه لنا وقربه منّا لا نكاد نكلّمه هيبة له ، يعظّم أهل الدين ويقرّب المساكين ، لا يطمع القويّ في باطله ، ولا ييأس الضعيف من عدله ، فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله ، وغارت نجومه ، قابضا على لحيته ، يتململ تململ السليم ، ويبكي بكاء الحزين ، ويقول : يا دنيا غرّي غيري ، أبي تعرّضت أم لي تشوّقت؟! هيهات هيهات ، قد أبنتك ثلاثا لا رجعة فيها ؛ فعمرك قصير ، وخطرك يسير (٢) ، وعيشك حقير ، آه من قلّة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق!.
فبكى معاوية ، وقال : رحم الله أبا الحسن! كان ... والله ... كذلك ، (قال معاوية : كيف كان حبّك له؟ قال : كحبّ أمّ موسى لموسى ، قال :) (٣) فما حزنك عليه يا ضرار؟ قال : حزن من ذبح ولدها في حجرها ، فلا ترقأ عبرتها ، ولا يسكن حزنها. (٤)
وبالجملة ، فزهده لم يلحقه أحد فيه ولا يسبقه أحد إليه عليهالسلام ، وإذا كان أزهد الناس ، كان هو الإمام ؛ لامتناع تقدّم المفضول عليه.
الثاني :
أنّه عليهالسلام كان أعبد الناس ، يصوم النهار ويقوم اللّيل ، ومنه تعلّم الناس صلاة اللّيل ونوافل النهار ، وأكثر العبادات والأدعية المأثورة عنه تستوعب الوقت ، وكان يصلّي في
__________________
(١) ما بين القوسين ليس في «ر».
(٢) في «ش ١» و«ش ٢» : كثير.
(٣) ما بين القوسين ليس في «ر».
(٤) تذكرة الخواص : ١١٨ ـ ١١٩ ، وذخائر العقبى : ١٠٠ ، وقال ، أخرجه الدولابي وأبو عمر وصاحب الصفوة ، والاستيعاب لابن عبد البر ٣ : ٤٤ ، عن الحرمازي رجل من همدان ، والفصول المهمة : ١٢٩ / الفصل ١ ، وحلية الأولياء ١ : ٨٤.