ما تكرّر لا لسهو ولا لنسيان الا ما لا بالَ به ممَّا لا بُدَّ أن يَلْحَق الانسان اذ هو غير مُعْفًى من ذلك ومن هنا يجب على من أنصف أن لا يَعِيب علينا أمرا حتَّى يَعْرِفَ سِرَّه فلكُلِ علة سبب لا يخفى على من لَطَّف الفِطَن وكَرَّر البصر واطَّرَح الضَّجَر والتوفيقُ للصواب فى كل أمر من بارئنا جَلَّ وعَزَّ اليه أرغب فيه وبه تعالى أستعين لا غنى لأحدٍ عنه فى مُيَسَّرِ الامور ولا مُعَسَّرها كما أَبْرأ اليه من الحَوْلِ والقُوَّةِ إلَّا به وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسَلَّم كثيرا
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
كتاب خَلْقِ الانسان
الانسان لفظ يقع على الواحد والجمع والمذكر والمؤنث بصيغة واحدة فمما يَدُلُّكَ أنه يقع على الواحد قولُهم فى تثنيته انسانان فلولا أن إنسانا قد يقع على المفرد لم يقولوا انسانان ولذلك استدل سيبويه على أن دِلَاصاً وِهِجَاناً ليسا من باب جُنُبٍ لقولهم دِلَاصَانِ وهِجَانانِ فلو كان بمنزلة جُنُب لم تُثَنَّ ومما يَدُلُّكَ على أنه يقع على الجميع مَعْنِيًّا به النوعُ قولُه تعالى (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) ثم قال (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) وكذلك قولُه تعالى (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً) ثم قال (إِلَّا الْمُصَلِّينَ) ففى استثناء الجماعة من هذا الاسم المفرد دلالة بَيِّنةٌ على أن المرادَ العمومُ والكثرة وفى وقوع المفرد موضعَ الجميع دلالةٌ يعلم بها أن المراد الجمع وذلك أن الاسماء الدالة على الكثرة على ضربين فأحدهما اسمٌ مبنىٌّ للجمع والآخر اسمٌ أصلُ بِنْيَتِه ووضعِه للواحد ثم يقترن بما يدل على الكثرة والضربُ الاوّل وهو الذى بنى للجمع على قسمين أحدهما من غير لفظ الواحد وذلك نحو قَوْمٍ من رجل ونساءٍ من امرأة والآخر أن يكون من لفظ الواحد المجموع وذلك كرَكْبٍ من راكب ورَجْل من راجل وأما الضرب الثانى من القسمة الاولى وهو الاسم الذى أصْلُ بِنْيَتِه أن يكون للواحد ثم يقترن بما يدل على الكثرة فينقسم أيضا الى ضربين أحدهما أن يكون اسما مبهما مقصورا لا يُقْتَصَر به على أُمَّةٍ كالِذى ومَنْ وما اذا اقترن بما يدل على الكثرة كقوله تعالى (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ) فهذا قد اقترن به ما يدل على الكثرة وهو قوله (أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) والآخر أن يكون اسما متمكنا أولا مقصورا على أُمَّة كالجَوْنِ والانسان والفرس وهذا الضرب من أسماء الانواع على ضربين نَكِرة ومَعْرِفة وهى التى تقع فى غالب الامر والجمع كما قدمنا ... وجه تعريفه فانما يذهب الى تخصيص النوع