مجرد عن المواد كلها والمجرد لا يتصف بالمقدار باعتبار حلول صورته فيه فإن صورة المقدار لا يلزم أن تكون مقدارا ، وأيضا هذه الصورة القائمة بالعاقل حالة في محل قابل لها فلهذا كان عاقلا لها أما الجسم فليس محلا قابلا لتعقل السواد فلا يلزم أن يكون متعقلا له.
قال : وحلول المثال مغاير.
أقول : هذا إشارة إلى كيفية حلول الصورة في العاقل وتقريره أن الحال في العاقل إنما هو مثال المعقول وصورته لا ذاته ونفسه ولهذا جوزنا حصول صورة الأضداد في النفس ولم نجوز حصول الأضداد في محل واحد في الخارج فعلم أن حلول مثال الشيء وصورته مغاير لحلول ذلك الشيء ولما كان هذا الكلام مما يستعان به على حل ما تقدم من الشكوك ذكره عقيبه.
قال : ولا يمكن الاتحاد.
أقول : ذهب قوم من أوائل الحكماء إلى أن التعقل إنما يكون باتحاد صورة المعقول والعاقل وهو خطأ فاحش فإن الاتحاد محال على ما تقدم ، ويلزمه أيضا المحال من وجه آخر وهو اتحاد الذوات المعقولة.
وكذلك ذهب آخرون إلى أن التعقل يستدعي اتحاد العاقل بالعقل الفعال وهو خطأ لما تقدم ولاستلزامه تعقل كل شيء عند تعقل شيء واحد.
قال : ويختلف باختلاف المعقول.
أقول : اختلف الناس هنا فذهب قوم إلى جواز تعلق علم واحد بمعلومين ومنعه آخرون وهو الحق لأنا قد بينا أن التعقل هو حصول صورة مساوية للمعلوم في العالم وصور الأشياء المختلفة تختلف باختلافها فلا يمكن أن تكون صورة واحدة لمختلفين فلا يتعلق علم واحد باثنين وإنما جوز ذلك من جعل العلم أمرا وراء الصورة.