قال : كالحال والاستقبال.
أقول : هذا إشارة إلى إبطال مذهب جماعة من المعتزلة ذهبوا إلى أن العلم بالاستقبال علم بالحال عند حضور الاستقبال فقالوا إن العلم بأن الشيء سيوجد علم بوجوده إذا وجد وإنما دعاهم إلى ذلك ما ثبت من أن الله تعالى عالم بكل معلوم فإذا علم أن زيدا سيوجد ثم وجد فإن زال العلم الأول وتجدد علم آخر لزم كونه تعالى محلا للحوادث وإن لم يزل كان هو المطلوب. وهذا خطأ فاحش فإن العلم بأن الشيء سيوجد علم بالعدم الحالي والوجود في ثاني الحال والعلم بأن الشيء موجود غير مشروط بالعدم الحالي بل هو مناف له فيستحيل اتحادهما والوجه في حل الشبهة المذكورة ما التزمه أبو الحسين هنا من أن الزائل هو التعلقات الحاصلة بين العلم والمعلوم لا العلم نفسه ، وسيأتي زيادة تحقيق في هذا الموضع إن شاء الله تعالى.
قال : ولا يعقل إلا مضافا فيقوى الإشكال مع الاتحاد.
أقول : اعلم أن العلم وإن كان من الكيفيات الحقيقية القائمة بالنفس فإنه لا يعقل إلا مضافا إلى الغير فإن العلم علم بالشيء ولا يعقل تجرده عن الإضافة حتى أن بعضهم توهم أنه نفس الإضافة الحاصلة بين العالم والمعلوم ولم يثبت أمرا حقيقيا مغايرا للإضافة إذا عرفت هذا فإن الإشكال يقوى مع الاتحاد هكذا قاله المصنف ـ رحمهالله ـ والذي يلوح منه أن العاقل والمعقول إذا كانا شيئا واحدا كما إذا عقل نفسه توجه الإشكال عليه بأن يقال انتم قد جعلتم العلم صورة مساوية للمعلوم في العالم وهذا لا يتأتى هاهنا لاستحالة اجتماع الأمثال ويقوى الإشكال باعتبار الإضافة إذ الإضافة إنما تعقل بين شيئين لا بين الشيء الواحد ونفسه فلا يتحقق علم الشيء بذاته.
والجواب عن الأول أن العلم إنما يستدعي الصورة لو كان العالم عالما بغيره أما عالم ذاته فإن ذاته يكفي في علمه من غير احتياج إلى صورة أخرى.
وعن الثاني أن العاقل من حيث إنه عاقل مغاير له من حيث إنه معقول فأمكن