العلم فرع على ما عليه المعلوم وعلى هذا التقدير يجوز تأخر المعلوم الذي هو الأصل عن تابعه فإن العقل يجوز تقدم الحكاية على المحكي.
قال : فزال الدور.
أقول : الذي يفهم من هذا الكلام أمران أحدهما أن يقال قد قسمتم العلم إلى أقسام من جملتها الفعلي الذي هو العلة في وجود المعلوم وهاهنا جعلتم جنس العلم تابعا فلزمكم الدور إذ تبعية الجنس تستلزم تبعية أنواعه وتقرير الجواب عن هذا أن نقول نعني بتبعية العلم ما قررناه من كون العلم والمعلوم متطابقين على وجه إذا تصورهما العقل حكم بأن الأصل في هيئة التطابق هو ما عليه المعلوم وأن ما عليه العلم فرع عليه ووجه الخلاص من الدور بهذا التحقيق أن العلم الفعلي محصل للمعلوم في الخارج لا مطلقا.
الثاني أن يقال المتبوع يجب أن يتقدم التابع بأحد أنواع التقدم الخمسة وهاهنا لا تقدم بالشرف ولا بالوضع لأنهما غير معقولين فبقي أن يكون التقدم هنا بالذات أو بالعلية أو بالزمان وعلى هذه التقادير الثلاثة يمتنع الحكم بتأخر المتبوع عن التابع في الزمان ولا شك في أن علم الله تعالى الأزلي ، والعلوم السابقة على الصور الموجودة في الخارج متقدمة بالزمان والمتأخر عن غيره بالزمان يمتنع أن يكون متقدما عليه بنوع ما من أنواع التقدمات بالاعتبار الذي كان به متأخرا عنه والجواب عنه ما تقدم أيضا.
المسألة الخامسة عشرة
في توقف العلم على الاستعداد
قال : ولا بد فيه من الاستعداد أما الضروري فبالحواس وأما الكسبي فبالأول.
أقول : قد بينا أن العلم إما ضروري وإما كسبي وكلاهما حصل بعد عدمه إذ الفطرة البشرية خلقت أولا عارية عن العلوم ثم يحصل لها العلم بقسميه فلا بد من استعداد سابق مغاير للنفس وفاعل للعلم فالضروري فاعله هو الله تعالى إذ القابل لا يخرج المقبول من