المسألة السادسة عشرة
في الأرزاق
قال : والرزق ما صح الانتفاع به ولم يكن لأحد منعه منه.
أقول : الرزق عند المجبرة ما أكل سواء كان حراما أو حلالا وعند المعتزلة أنه ما صح الانتفاع به ولم يكن لأحد منع المنتفع به لقوله تعالى (أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ) والله تعالى لا يأمر بالإنفاق من الحرام قالوا ولا يوصف الطعام المباح في الضيافة أنه رزقه ما لم يستهلكه لأن للمبيح منعه قبل استهلاكه بالمضغ والبلع وكذا طعام البهيمة ليس رزقا لها قبل أن تستهلكه لأن للمالك منعها منه إلا إذا وجب رزقها عليه والغاصب إذا استهلك الطعام المغصوب بالأكل لا يوصف بأنه رزقه لأن الله تعالى منعه من الانتفاع به بعد مضغه وبلعه لأن تصرفاته أجمع محرمة بخلاف من أبيح له الطعام لأنه بعد المضغ والبلع لا يحسن من أحد تفويته الانتفاع به لأنه معدود فيما تقدم من الأسباب المؤدية إلى الانتفاع به. وليس الرزق هو الملك لأن البهيمة مرزوقة وليست مالكة والله تعالى مالك ولا يقال إن الأشياء رزق له تعالى والولد والعلم رزق لنا وليسا ملكا لنا فحينئذ الأرزاق كلها من قبله تعالى لأنه خالق جميع ما ينتفع به وهو الممكن من الانتفاع والتوصل إلى اكتساب الرزق وهو الذي يجعل العبد أخص بالانتفاع به بعد الحيازة أو غيرها من الأسباب الموصلة إليه ويحظر على غيره منعه من الانتفاع وهو خالق الشهوة التي بها يتمكن من الانتفاع.
قال : والسعي في تحصيله قد يجب ويستحب ويباح ويحرم.
أقول : ذهب جمهور العقلاء إلى أن طلب الرزق سائغ وخالف فيه بعض الصوفية لاختلاط الحرام بالحلال بحيث لا يتميز وما هذا سبيله يجب الصدقة به فيجب على الغني دفع ما في يده إلى الفقير بحيث يصير فقيرا ليحل له أخذ الأموال الممتزجة بالحرام ولأن في