دراهم لا غير فتصدق بدرهم ليلا وبدرهم نهارا وبدرهم سرا وبدرهم علانية فأنزل الله تعالى في حقه (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً) وكان يعمل بالأجرة ويتصدق بها ويشد على بطنه الحجر من شدة الجوع وشهد له بذلك أعداؤه فضلا عن أوليائه ، قال معاوية لو ملك علي بيتا من تبر وبيتا من تبن لأنفد تبره قبل تبنه ولم يخلف شيئا أصلا وقال يا بيضاء ويا صفراء غري غيري وكان يكنس بيوت الأموال ويصلي فيها مع أن الدنيا كانت بيده.
قال : وكان أزهد الناس بعد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
أقول : هذا هو الوجه الخامس وتقريره أن عليا عليهالسلام كان أزهد الناس بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيكون أفضل من غيره بيان المقدمة الأولى ما نقل بالتواتر عنه أنه عليهالسلام كان سيد الأبدال وإليه تشد الرحال في معرفة الزهد والتسليك فيه وترتيب أحوال الرياضات وذكر مقامات العارفين وكان أخشن الناس مأكلا وملبسا ولم يشبع من طعام قط قال عبيد الله بن أبي رافع دخلت عليه يوما فقدم جرابا مختوما فوجدنا فيه خبز شعير يابسا مرضوضا فأكل منه فقلت يا أمير المؤمنين كيف تختمه فقال خفت هذين الولدين يلتانه بزيت أو سمن وهذا شيء اختص به علي عليهالسلام لم يشاركه فيه غيره ولم ينل أحد بعض درجته وكان نعلاه من ليف ويرقع قميصه بجلد تارة وبليف أخرى وقل أن يأتدم فإن فعل فبالملح أو بالخل فإن ترقى فبنبات الأرض فإن ترقى فبلبن وكان لا يأكل اللحم إلا قليلا ويقول لا تجعلوا بطونكم مقابر الحيوان وطلق الدنيا ثلاثا والمقدمة الثانية ظاهرة.
قال : وأعبدهم.
أقول : هذا وجه سادس وتقريره أن عليا عليهالسلام كان أعبد الناس بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ومنه تعلم الناس صلاة الليل واستفادوا منه ترتيب النوافل والدعوات وكانت جبهته كثفنة البعير لطول سجوده وكان يحافظ على النافلة حتى أنه بسط